قال ابن عطاء : لو نظروا إلى المنعم لتنقص عليهم الاستبشار بنعمه وفضله ، وكان استبشارهم بالمنعم المتفضل.
قوله تعالى : (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) استجابوا لله بحب شاهدته ، والاشتياق إلى جماله ولطائف قربه ، ولذائذ صحبته ، وللرسول صلىاللهعليهوسلم لما عليه من آثار أنوار صفاته ، وفيه إشارة إلى مقام الاتحاد حيث الأمر واحد ، وإنّ الله سبحانه وتعالى وصفهم بحسن الإرادة في محبته ، وطلب جماله ببذل أرواحهم بعد احتمال آلام الامتحان على أبدانهم بقوله : (مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ).
قال الواسطي : استجابوا لله بالوحدانية ، وأجابوا الرسول باتباع أوامره ، واجتناب نواهيه ، وقبول الشريعة منه على الرأس والعين.
وقوله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ) أي : للذين بلغوا مقام الإحسان وهو رؤية الله في مقام الامتحان ، (وَاتَّقَوْا) جميع الحجاب بينهم وبينه إحسانهم إلقاء نفوسهم وهواجسها عند قبولهم مراد الحق بعد خروجهم عن مرادهم ، و (أَجْرٌ عَظِيمٌ) الذي وصفه الله بإعداده لهم ، هو إيصالهم إليه بغير الهجران والعتاب ، والحساب والحجاب (١).
وقيل : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ) في إجابة المصطفى صلىاللهعليهوسلم ، (وَاتَّقَوْا) مخالفته سرّا وعلنا ، (أَجْرٌ عَظِيمٌ) هو البلوغ إلى المحل العظيم من مجاورة الحق ومشاهدته.
قال الأستاذ : في هذه الآية استجابة الحق بالتحقيق بوجوده ، واستجابة الرسول بالتخلق بما شرع من حدوده ، واستجابة الحق بالصفاء في حق الربوبية ، واستجابة الرسول بالوفاء في إقامة العبودية ، (مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ) في ابتداء مقاماتهم قبل ظهور أنوار التجلي على قلوبهم ، وابتسام الحقائق في أسرارهم ، (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ) الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، وهو المشاهدة ، (وَاتَّقَوْا) «فإن لم تكن تراه فإنه يراك» (٢) ، وهو المراقبة في حال المجاهدة أجر عظيم لأهل البداية ، مؤجلا ولأهل النهاية معجلا.
قوله تعالى : (فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) قدّس الحق سبحانه حضرة
__________________
(١) كذا سنّة الحق ـ سبحانه ـ مع من صدق في التجائه إليه أن يمهد مقيله في ظل كفايته ؛ فلا البلاء يمسه ، ولا العناء يصيبه ، ولا النّصب يظلّه. انظر : تفسير القشيري (١ / ٤٢١).
(٢) سبق تخريجه.