نور الصفة فيكون خارجا عن الصفة الأولية صفة ، والأخروية صفة ، والآخر أول في النعت ، فمن كان نعته أولية فيكون نعته أخروية ، وإذا خرج من الحدثان إلى جمال الرحمن لم يجر عليه صفات الحدث بعده عن صفة الموت والفناء ، بل يصير حيا باتصافه بحياة الحق ، وحياة الحق أبدي ، لم يجر عليه علل حياة الإنساني وموت الإنساني ، وهذا من فيض نور مشاهدته وعنديته ؛ لأن مقتول السيف التجلي يحيا بقبض القربة والعندية ، ومن يكون في العندية كيف يفنى ويموت وهو مشاهد في شهود الحق إياه ورزقه فيض مزيد مشاهدة الحق ، وزيادة اتصافه ببقاء الحق ، وفرحه بنيل بقائه من بقاء الحق (١).
ومن قتل بسيف الإرادة فهو باق بنور القربة ، ومن قتل بسيف المحبة فهو باق في سنا المشاهدة ، ومن قتل بسيف المعرفة فهو باق في أنس الوصلة ، ومن قتل بسيف التوحيد فهو باق بالوحدة في الوحدة ، وحياة هؤلاء من تجلي الأزلية وشهادة هؤلاء بغيرة العزة ، غار عليهم فأفناهم ، وأحبهم فأبقاهم.
قال ابن عطاء : المقتول على المشاهدة باق برؤية شاهده ، والميت من عاش على رؤية نفسه ومتابعة هواه.
قال أبو سعيد القرشي في هذه الآية : لا تظنن الهالكين في طريق الإرادة طلبا لوصله مردودين إلى مقاماتهم ، بل قد بلغ بهم غاية ما قصدوا من القرب والوصلة إحياء بقرب الحق عند ربهم في مجلس المشاهدة ، يرزقون زيادة الفوائد من أنوار الاطلاع فرحين بالغين أقصى رضاه.
(يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (١٧١) الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٢) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (١٧٤) إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥))
قوله تعالى : (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ) نعمة الله معرفة الله ومحبته وفضله مشاهدته ، فاستبشار القوم برؤية الله وجلاله وقدمه وبقائه لا بشيء من الحدثان ، كانوا إذا نظروا إلى قدمه استبشروا بنعمة بقائه ، وإذا نظروا إلى بقائه فرحوا بمشاهدة قدمه.
__________________
(١) ويقال : إن الذي وارثه الحي الذي لم يزل فليس بميت. انظر : تفسير القشيري (١ / ٤١٧).