قال يحيي العلوي : (وَما كانَ لِنَبِيٍ) أن تضيع أسراره إلا عند الأمناء من أمته.
(لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١٦٤) أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٦٥) وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (١٦٦) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (١٦٧) الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٦٨) وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٧٠))
قوله تعالى : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) كان النبي صلىاللهعليهوسلم مرآة الحق يتجلى بجلاله وجماله للأمناء والصدّيقين منه ، يرون الله برؤيته لقوله عليهالسلام : «من رآني فقد رأى الحق» (١) ، منّ على عباده بوجوده ، ولو يتجلى لهم صرفا لاحترقوا بأول سطوات عظمته ، جعله برحمته واسطة تجليه وذلك بمحل الالتباس من ظهور نفسه لذوي الأبصار ، وإشارة قوله : (مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أي : حال أمته من حيث حاله ، وشربهم من حيث شربه ، وأي منّة أعظم على المؤمنين من النبي صلىاللهعليهوسلم وهو منظر جمال الحق للخلق ، ومعرفهم أسماءه وصفاته ونعوته ، ومهالك المهلكات ، ومنازل السجيات.
قال بعض المشايخ : أكثر منّة على الخلق وسائط الأنبياء إليهم ليصلوا بهم إليه ؛ لأنه لو أظهر عليهم من صفاته ذرة لأحرقهم جميعا ، ولضلّوا فيه عن الطريق إلا المعصومون.
قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً) نبّه الخلق أن من قتل في سبيل العشق بسيوف العشق انسلخ من الحدث إلى القدم ، والتبس بنور الأزل من الأزل ، فلما بلغ نعت الأولية واتصف بصفة الأزلية ، يصير منعوتا بنعت الأخروية موصوفا بوصف الأبدية ؛ لأن صفات الحق جلّ سلطانه واحدة في الوحدانية خارجة عن الجمع والتفرقة ، فيضها في الأفعال تفرقة مع الأسماء ، ونورها في العينية جمع لأهل الوحدة ، ومحل أن وصل
__________________
(١) سبق تخريجه.