قوله تعالى : (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ) نصر الله سكينته وقعت من نور تجلي الحق سبحانه في قلوب العارفين ؛ حيث توجهت من الحدثان إلى جلاله بنعت التضرع في عظمته وكبريائه ، فلما تلبّست أنوار الغيب مع نور البسط والرجاء ، فقويت بها الأشباح فأيدت لهم بحلول الأزل وقوته ، فحينئذ انحسرت جنود القهر بسطوة الهيبة عن معارك عساكر اللطف.
وذلك قوله : «سبقت رحمتي غضبي» (١) ، وحقائقه مشروحة في ترقي مقامات دنو النبي صلىاللهعليهوسلم وذلك إشارته في سجوده بقوله : «أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك» (٢).
نصر الله في المريدين توفيقهم في قمع الشهوات ، ونصره في المحبين نور اليقين من تبسم فلق صبح الأزل بنعت المداناة ، ونصره في العارفين انفتاح كنوز أسرار علوم المجهولة بمفاتيح كشف المشاهدات.
قال بعضهم : إنّما يدرك نصر الله من تبرأ من حوله وقوته واعتصم بربه في جميع أسبابه ؛ لأن من اعتمد على حوله وقوته ورأى الأشياء منه ، فإنه مردود إلى حول الله وقوته وعلمه.
قال الأستاذ : نصرته بالتوفيق بلا أشباح ، ثم بالتحقيق للأرواح.
ويقال : ينصركم بتأييد الظاهر ، وتسديد السرائر.
ويقال : النصرة إنما يكون على العدو ، وأعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك ، النصر على تهزم دواعي فتنتها بعواصم رحمته حتى تنقص جنود الشهوات بهجوم وقود المنازلات ، فتبقى الولاية خالصة عن شبهات الدواعي التي هي أوصاف البشرية ، وشهوات النفوس وأمانيها التي هي آثار الحجبة وموانع القربة.
قوله تعالى : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) مقدّس أسراره عن دنس الخطرات ، ووصفه بالأمانة عند إخباره عن أنباء الغيب لم يجر على قلبه عند بيان الشريعة والطريقة ، مداهنة لرؤية شريف ووضيع ، ولم يخف حق الله عزوجل عن عباده وأعطى علم الحق لأهل الحق ، وبيّن المحجوبين آية الحق ببرهان الحق ، ولم يخط في طريق الحق خطوة بحظ نفسه.
قال بعض المشايخ : (وَما كانَ لِنَبِيٍ) أن تستأثر بالوحي والشريعة بعض متبعيه على بعض.
__________________
(١) سبق تخريجه.
(٢) سبق تخريجه.