فخطابه مع جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين ، والأصفياء الصديقين العارفين الموحدين ؛ لأن الأزلية منزّهة عن إدراك الخلائق أجمعين ، وخاصية نبينا صلىاللهعليهوسلم في هذا المعنى رؤية هذه المعاني بنعت الكشف له ، وابتسام إصباح الأزل في وجهه ، لا بنعت الإحاطة وإدراك الكلية ، وذلك قوله تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ) مثل محمد صلىاللهعليهوسلم وعيسى وموسى وإبراهيم وآدم صلوات الله عليهم أجمعين ، وذلك مشروح في قوله تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) [الجن : ٢٦ ، ٢٧].
قيل : (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) وأنتم تلاحظون أشباحكم وأفعالكم وأحوالكم ، وإنّما يطلع على الغيب من كان أمين السر والعلانية موثوق الظاهر والباطن ، ثم يفتح له من طريق الغيب بقدر أمانته ووثاقته ، ألا تراه يقول : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) [الجن : ٢٦ ، ٢٧] ، هو الفاني من أوصافه ، المتّصف بأوصاف الحق.
وبيّن أن بعض الغيب مظهر للنبي صلىاللهعليهوسلم بقوله : (وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ) يعني محمدا صلىاللهعليهوسلم ، وذلك حكمه بالغيب ، وحكمه على الغيب بقوله : «عشرة من قريش في الجنة» (١).
ومثل ما أخبر عن الله سبحانه وعن أمر الدنيا والآخرة قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) إن الله تعالى زجر الستارين هاهنا بكتمان المكاشفات ، وحقائق الواردات ، ووقائع المغيبات عن الطالبين ؛ لأن أصل السخاء تخليص المتحيرين عن درك الامتحان ، وإرشادهم إلى طريق العرفان ، وأي سخاء أعظم من إظهار مواهب الله على المريدين لاستزاد محبتهم وجه الله سبحانه ، واستكبار شوقهم إلى جماله ، وتحبيبهم أعمالهم وعبوديته ، وتصديق ذلك قوله تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) [الضحى : ١١].
ومن كان يطيق ما ذكرنا من إرادة الخير على طلاب الله كيف لا يطيق بذل نفسه وماله وروحه في طريق الحق فداء لأولياء الله ، لأنهم معدن السخاء ، والسخاء منهم ينشعب ، والسخاء بالمال وصف المريدين ، وبالنفس وصف المحبين ، وبالروح وصف العارفين ، والبخل بجميع الأشياء أعمى النفس الأمّارة عن رؤية منن بحار القدم ، والسخاء انفتاح عين القلب على ذخائر القدرة ، وكنوز الألوهية المملوءة من الآلاء والنعماء ومباشرة تجلي الوهابية
__________________
(١) رواه البزار في مسنده (٤ / ٩٥) ، والنسائي في «السنن الكبرى» (٥ / ٦٠) ، والطبراني في «الأوسط» (٢ / ٣٥١).