قال الجنيد : إنّ الله تعالى ذكر الصبر وشرفه وعظم شأن الصابرين لديه ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا) أمرهم بالصبر على الصبر ، ثم قال : (وَرابِطُوا) وهو ارتباط السر مع الله سرّا ، والوقوف مع البلاء جهرا ، قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «الصبر عند الصدمة الأولى» (١).
قال الحارث : الصبر التهدف لسهام البلاء.
وقال الجريري : الصبر إسبال التولي قبل وقوع البلوى ، فإذا صارف البلوى تلقاه بالتولي ولم يجزع.
وقال بعضهم : (اصْبِرُوا) تحت حكمي ، (وَصابِرُوا) في الحلاوة مع أعدائي ، (وَرابِطُوا) قلوبهم بموافقتي ورضائي.
وقال جعفر : (اصْبِرُوا) عن المعاصي ، و (وَصابِرُوا) على الطاعات ، (وَرابِطُوا) الأرواح بالمشاهدة ، (وَاتَّقُوا اللهَ) أي : اجتنبوا الانبساط مع الحق ، (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) تبلغون مواقف أهل الصدق ، فإنّه محل الفلاح.
وقال بعضهم : (اصْبِرُوا) بجوارحكم على الطاعات ، (وَصابِرُوا) بقلوبكم مع الله ، (وَرابِطُوا) بأسراركم بالحقائق سبل الشوق والمحبة.
وقال بعضهم : (اصْبِرُوا) بالله ، (وَصابِرُوا) مع الله ، (وَرابِطُوا) أسراركم بالحقائق لعلكم تجردون عن همومكم وخطراتكم.
قال ابن عطاء : الصبر للمطيعين ، والمصابرة للمحبين ، والمرابطة للعارفين ، وقال : الصبر لله ، والمصابرة بالله ، والمرابطة مع الله.
وقال الأستاذ : الصبر فيها يتفرد به العهد ، والمصابرة مع العدو ، والرباط نوع صبر ، ولكن على وجه مخصوص.
ويقال : أول الصبر التصبّر ، ثم الصبر ثم المصابرة ، ثم الاصطبار وهو نهايته.
ويقال : (اصْبِرُوا) على الطاعات وعن المخالفات ، (وَصابِرُوا) في ترك الهوى والشهوات ، وقطع المنى والعلاقات ، (وَرابِطُوا) بالاستقامة في الصحبة في عموم الحالات.
ويقال : (اصْبِرُوا) على ملاحظة الثواب ، (وَصابِرُوا) على ابتغاء القربى ، (وَرابِطُوا) في محل الدنو أو الزلفة على شهود الجمال والعزة.
__________________
(١) رواه البخاري (١٢٠٣) ، ومسلم (١٥٣٤).