الْحِسابِ (١٩٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٢٠٠))
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (١) أعلم الحق سبحانه حقيقة لهيب نيران فؤاد المشتاقين ، وتسلاهم بخطابه ، وبما أمرهم بالصبر في لوعة الفراق ، أي : اصبروا أيها المشتاقون في ركوب عظائم آلام المحبة والشوق على قلوبكم ، بتذكيركم بلوغ وصالي ، فإذا اشتد الأمر عليكم بالصبر في بلائي ، صابروا على الصبر لكيلا يجزع صبركم في عناء الفرقة ، والاحتراق في المحبة ، اصبروا بمشاهدتي ، وصابروا في طلبكم حقائق معرفتي ، اصبروا بأسراركم ، وصابروا بأسراري ، ولا تكشفوها عند الأغيار ، ورابطوا قلوبكم بكتمانها ، واتقوا الله في إفشاء السر ، كيلا تحتجبوا عنه ، (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وتظفرون بنعمة جمالي ، وحسن وصالي ، وتفوزون من أليم عذاب فراقي.
وأنشد أبو حمزة الصوفي :
نهاني حيائي منك أن أكتم الهوى |
|
وأغنيتني بالفهم عنك من الكشف |
تلطفت في أمري فإن أك شاهدا |
|
إلى غايتي فاللطف يدرك باللّطف |
وأنشد أبو بكر أحمد بن إبراهيم المؤدّب لإبراهيم الخواص :
صبرت على بعض الأذى خوف كلّه |
|
ودافعت عن نفسي لنفسي فعزت |
وجرّعتها المكروه حتّى تدرّبت |
|
ولو جملة جرّعتها لاشمأزت |
ألا ربّ ذلّ ساق للنّفس عزة |
|
ويا ربّ نفس بالتّعزز ذلّت |
إذا ما مدتّ الكف التمس الغنى |
|
إلى غير من قال اسألوني فشلّت |
سأصبّر نفسي إنّ في الصّبر عزة |
|
وأرضى بدنياي وإن هي قلّت |
وأنشد الشبلي في حقائق الصبر :
عبرات خططن في الخدّ سطرا |
|
فقرأه من لم يحسن يقرا |
صابر الصّبر فاستغاث به الصّبر |
|
فصاح المحبّ بالصّبر صبرا |
__________________
(١) المصابرة نوع خاص من الصبر ذكر بعد الصبر على ما يجب الصبر عليه ، تخصيصا لشدته ، وصعوبته وكونه أكمل ، وأفضل من الصبر على ما سواه ، والصبر هو حبس النفس عما لا يرضاه الله ، وأوله التصبر ، وهو التكلف لذلك ثم المصابرة ، وهى معارضة ما يمنعه عن ذلك ثم الاصطبار ، والاعتبار ، والالتزام ، ثم الصبر ، وهو كماله ، وحصوله من غير كلفة [تفسير حقي (٢ / ٣٩٣)].