قوله تعالى : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتاعٌ قَلِيلٌ) أي : لا يعجبنك طوف المنكرين في البلدان لطلب الفصاحة البلاغة ، والتكلف في الآداب والزينة ، طلبا لصرف وجوه الناس والربانية والحيل بأولياء الله ، فإنّ أحوالهم مزخرفات فانية ، يريدون بها إسقاط جاه الصدّيقين عند الخلق ، وأنا بجلالي في كل نفس أرفع درجاتهم ، وأزيد في ملك ولايتهم رغما للمنكرين ، وإرغاما لأنوف المبطلين.
وأيضا : لا يغرنك ، ولا يفتتنك صحة أبدانهم ، وأين عيشهم في العالم ، وتيسير إقبال الدنيا إليهم في البلاد بجاههم عند العامة ؛ فإنهم يحاربونني بإهانتهم أوليائي ، ومبارزتهم معي بعداوة إحمائي ، فإن أيامهم قليلة ، وحسراتهم كثيرة عند طلوع أنواري من شرق العناية على وجوه أوليائي ؛ حيث قلت : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) [الزمر : ٦٩] ، أفتضحهم عند وضوح الكتاب ، وحضور الأنبياء والشهداء ، وهذا وعيد شديد لأهل أزماننا من السالوسيين الناموسيين.
قال يوسف في تفسير هذه الآية : لا تفتتنك الدنيا بوقوع الجهال عليها ، والاغترار بما فيها ، والتكثر بنعيمها ؛ فإنها زادهم إلى النار.
قوله تعالى : (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ) بيّن الله تعالى رفعة منازل المتقين في الجنان ، ثم أبهم لطائف العندية لهم ، بقوله : (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ) أي : ما عنده من نعم المشاهدة ولطائف القربة وحلاوة الوصلة ، خير مما هم فيه من النعيم في الجنة ، وأيضا صرح في بيان مراتب الولاية أنه ذكر المتّقين ، والتقوى تقديس الباطن عن لوث الطبيعة ، وتنزيه الأخلاق عن دنس المخالفات ، وذلك درجة الأول من الولاية ، والأبرار أهل الاستقامة في المعرفة ، وبيّن أن أهل التقوى في الجنة ، والأبرار في الحضرة.
وأيضا : أعجبوا الأبرار بما وجدوا من أنوار نيران المكاشفات ، ولطائف المناجاة ، وحقائق المشاهدات بنعت الوجد والحالات ، فأخبرهم أن ما هم فيه بالإضافة إلى ما عنده لهم في الآخرة كلا شيء في ذلك ، وذلك قوله تعالى : (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ) ، وأيضا لا يتعجبوا صورة أحكام أهل الدنيا في طراوتهم ، وحسن هيئاتهم ، أيها المريدون ؛ فإن شدائد مجاهداتك تورث سليم العيش في رؤيتي وقربتي ومشاهدتي.
قيل : ما عنده لهم خير ما يطلبونه بأفعالهم.
(وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ