فإنه قادر أن يعدمكم ، حتى لم تكونوا أبدا كما لم تزالوا معدوما ، والمعدوم محجوب عن ديوان النبوة والولاية.
(وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ) أي : اتقوا من فراق الذي تسألون منه به مشاهدته ووصاله ، وخوّفهم بالأرحام ، أي : اجتنبوا من مخالفة أوليائي رحم الصحبة ، قال : صحبتي موصولة بصحبتهم ، ومن فارق منهم فارق مني.
قال الأستاذ : أي فاتقوا الأرحام أن تقطعوها ، فمن قطع الرحم قطع ، ومن وصلها وصل.
وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) ، ذكر التقوى وأكّد التقديس الأسرار ، وليقع نظرات تجليه على مواقع القلوب ، وصميم الأرواح بلا علة وجود الغير فيها ؛ لأنه منزّه لا يصل إليه إلا منزّه عن غيره ، وهو ناظر إلى مواطن القلوب من الغيوب ، وترفرف أنوار قربه عليها ، فإذا يرى فيها ذكر الغير يرتحل مطايا أنواره منها إلى معادن الألوهية والربوبية ، وذلك قوله : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً).
وأيضا : مقام الهيبة ووقوع نور العظمة على القلب الصافي بنعت حفظه عن خطرات الحوادث ، والقلب العارف المنقلب في معارج الصفات ، وهو تعالى استأثر حفظه بنفسه لا يكل حفظه إلى غيره ، وبيان ذلك قوله صلىاللهعليهوسلم : «القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن ، يقلّبها كيف يشاء» (١) ، وإذا راقب العبد ربه في البداية راقبه الله في النهاية ، كقوله عليهالسلام لابن عباس : «يا غلام احفظ الله يحفظك» (٢) ، والمراقبة منه الحفظ والكلاءة ، وفيه بيان تسلية الله سبحانه قلوب المحزونين المشتاقين إلى جلاله ، أي : أنا ناظر إلى أسراركم ، وأعلم حرقتكم وهيجانكم ؛ إني أجازيكم بوصلي ، وأواسيكم بجمالي.
وأيضا : أخبر الله تعالى عن شوق قدمه قبل الحوادث إلى وجوه أصفيائه ، أي : كنت مراقبا بنفسي بغير علة التغاير بخروجكم من العدم إلى شواهد القدم ، ومن شواهد القدم إلى نور العدم ، كما قال : «وإنّي إليهم أشدّ شوقا» (٣) ، وكان إخبار عن الأزلية في الأزلية.
قال ابن عطاء في قوله : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) قال : عالما بما تضمر من سرّك ، وما تخفيه من خواطرك ، فراقب من هو الرقيب عليك.
__________________
(١) رواه الترمذي (٤ / ٤٤٨) ، وأحمد (٣ / ١١٢).
(٢) رواه الترمذي (٤ / ٦٦٧) ، وأحمد (١ / ٢٩٣).
(٣) ذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٨ / ٤٥٤).