وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١١))
قوله تعالى : (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ) أمر الله سبحانه أولي النهايات من العارفين إذا انفتحت لهم خزائن جود المشاهدة ، وانكشف لهم حقائق علوم الربوبية أن يقسمها على تلامذتهم من المريدين الصادقين على قدر مراتبهم ، ومذاق حالاتهم.
و (أُولُوا الْقُرْبى) أصحاب الصحبة ، (وَالْيَتامى) الساقطين عن الدرجة.
(وَالْمَساكِينُ) أهل السلوك من المجاهدين أي : حدثوا عن نوالي عند هؤلاء لتزداد محبتهم فيّ ، وشوقهم إليّ ، لأزيد عليكم نعمتي ، فإن كشفكم لطائفي عندهم شكر نعمتي.
و (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم : ٧] ؛ فارزقوهم من موائد القربة وخوان العناية لقيمات الحقائق ، وإن هذا يحدث من نعمتي ، ولذلك أمر صفي المملكة ورئيس القربة أن يذكر لطيف صنعي به على أمته ، لزيادة محبتهم جماله وجلاله بنعت بذل مهجتهم له ، بقوله : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) [الضحى : ١١].
قال محمد بن الفضل : دلت هذه الآية على كرم الله تعالى مع عباده ؛ لأنه أمر إذا حضر من لا نصيب له في الميراث أن يرزقهم منه ، دل بهذا أنه إذا حضر عباده يوم القيامة في المشهد العظيم أنه يتفضل بعطائه على من لم يكن مستحقّا لعطائه بمخالفته بإيصال رحمته إليه بفضله (١) وسعة رحمته ، وبلوغه إلى منازل أولي الأعمال ؛ لأنه قال : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس : ٥٨] ، من أفعالكم وطاعاتكم التي اعتمدتم عليها ، واعتمدوا فضلي وسعتي ورحمتي.
قوله تعالى : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ
__________________
(١) قال ابن عجيبة : فضل الله : أنوار الإسلام والإيمان ، ورحمته : أنوار الإحسان ، أو فضل الله : أحكام الشريعة ، ورحمته : الطريقة والحقيقة ، أو فضل الله : حلاوة المعاملة ، ورحمته : حلاوة المشاهدة ، أو فضل الله : استقامة الظواهر ، ورحمته : استقامة البواطن ، أو فضل الله : محبته ، ورحمته : معرفته ، إلى غير ذلك مما لا ينحصر ، ولم يقل : فبذلك فلتفرح يا محمد ؛ لأن فرحه صلىاللهعليهوسلم بالله ، لا بشيء دونه. [البحر المديد (٢ / ٤٩٩)].