فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) ندب الله سبحانه عباده عند مفارقتهم الدنيا إلى أن يوصوا أولادهم بتقوى الله وتوحيده ، وتحبيبهم له ، وحثهم بالشوق إلى لقائه ، والقول المعروف وصف الله ، وذكر أفضاله وإنعامهن وأمرهم بتقوى الله في ذلك ألا يداهنوهم فيما يروا منهم من الميل إلى غير الله ، وأن يعطيهم تقواهم بالميراث ، فإذا كانوا متفقين ، فإن الله خلفهم في أولادهم ، وهكذا شأن المشايخ عند مفارقتهم من المريدين إلى دار الآخرة ، حتى لا يخفوا عنهم أسرار المقامات والحالات ، ويكلوهم إلى الله بعزائم التوكل وتحقيق اليقين ؛ فإنه لا سبيل للشيطان إليهم بعدهم.
قيل : استعينوا على كثرة العيال ، وقلة ذات اليد بالتقوى ، فإنه الذي يجبر الكسير ويغني الفقير.
وقال جعفر بن محمد : الصدق والتقوى يزيدان في الرزق ، ويوسعان المعيشة ، قال الله تعالى : (فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً).
وقال الأستاذ في هذه الآية : إن الذي ينبغي للمسلم أن يدّخر لعياله التقوى والصلاح لا المال ؛ لأنّه لم يقل : فليجمعوا المال ، وليكثروا لهم العقار والأسباب ، ويخلفوا العقل والأثاث ، بل قال : (فَلْيَتَّقُوا اللهَ) ؛ فإنه يتولى الصالحين ، وقد وقع لي قول آخر ، وهو أنّ المرء يطلب في طول عمره الأموال الكثيرة ، ويدّخرها لأولاده حتى يموت ، وهم يعيشون بها ، فإنّ الله سبحانه علم نيته ، أنّه يكل أولاده إلى المال والميراث ، فحذّره من ذلك ، وأمره بتقوى الله ، فإن نيته في ذلك منازعة قدره ؛ فإنّه تعالى يفعل بهم ما يشاء ، من يتوكل على الله فهو حسبه ، وهو خلفه بعده.
قوله تعالى : (آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) أشكل الأمرين من هاتين الطائفتين أنهما يبلغان إلى درجة الولاية والمعرفة الموجبة مشاهدة الله وقربه ، التي لو وقعت ذرة منها لأحد من هذه الأمة ينجو بشفاعته من النار سبعون ألفا بغير حساب ، أي اخدموا آباءكم ، وارحموا أولادكم ، فربما يخرج منهم صاحب الولاية يشفع لكم عند الله سبحانه ، وحكمة الإيهام هاهنا تشمل الرحمة والشفقة على الجمهور ؛ لتوقع ذلك الولي الصادق.
قال ابن عباس في قوله : (أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) : أطوعكم لله عزوجل من الآباء والأبناء أرفعكم درجة يوم القيامة ؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى يشفّع المؤمنين بعضهم في بعض ، فإن كان الولد أرفع درجة من والديه رفع الله والديه إلى درجته ، لتقرّ بذلك عينه ، وإن كان الوالد أرفع درجة من ولده رفع الله الولد إلى درجتهم لتقرّ بذلك أعينهم.