ويقال : صراط من أنعمت عليهم بالنظر إليك ، والاستعانة بك ، والتبرّي من الحول والقوة ، وشهود ما سبق لهم من السعادة في سابق الاختيار والعلم ، بتوحدك فيما قضيته من المسار والمضار.
ويقال : أنعمت عليهم بحفظ الأدب في أوقات الخدمة ، واستشعار نعت الهيبة.
وقيل : صراط من أنعمت عليهم ، من تأدّبوا بالخلوة عند غليات بوادي الحقائق ؛ حتى لم يخرجوا عن حد العلم ، ولم يخلوا بشيء من أمر الهيبة ، ولم يصنعوا من أحكام العبودية عند ظهور سلطان الحقيقة.
وقيل : صراط من أنعمت عليهم ؛ بل حفظت عليهم آداب الشريعة وأحكامها الشرع.
وقيل : صراط من أنعمت عليهم ؛ حتى لم تطفيء شموس معارفهم ، أنوار ورعهم ، ولم يضيفوا من أحكام العبودية عند ظهور سلطان الحقيقة.
قوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) يعني : المطرودين عن باب العبودية.
وقال أبو عثمان : الذين غضبت عليهم وخذلتهم ، ولم تحفظ قلوبهم ؛ حتى تهوّدوا وتنصّروا.
وقال الأستاذ : الذين صدمتهم هوازم الخذلان ، وأدركتهم مصائب الحرمان.
قال أبو العباس الدينوري : وكّلتهم إلى حولهم وقوتهم ، وعرّيتهم من حولك وقوتك.
وقيل : هم الذين لحقهم ذل الهوان ، وأصابهم سوء الخسران ، وشغلوا في الحلال ، باجتلاب الحظوظ ، وهو في التحقيق مكر ، ويحسبون أنهم على شيء ، وللحق في شقاوتهم سرّ ، ولا الضّالين عن شهود سابق الاختيار ، وجريان تصاريف الأقدار.
(وَلَا الضَّالِّينَ) يعني : المفلسين عن نفائس المعرفة.
وأيضا غير المغضوب عليهم بالمكر والاستدراج ، ولا الضّالين عن أنوار السبل والمنهاج.
وأيضا غير المغضوب عليهم بالحجاب ، ولا الضّالين عن رؤية المآب.
وأيضا غير المغضوب عليهم بالانفصال ، ولا الضّالين عن الوصال.
وقال ابن عطاء : غير المخذولين والمطرودين والمهانين ، الذين ضلّوا عن الطريق الحق.
وقيل : غير المغضوب عليهم في طريق الهلكى ، ولا الضالين عن طريق الهدى لاتباع الهوى (١).
__________________
(١) هم الذين استعانوا بغير الله ، ولمّا كان أثر الغضب أشدّ من أثر الضلال ؛ قدّمه عليه ، وفيه إشارة إلى أن غاية الأمر بالنسبة إلى المستعين بغير الله هو الحيرة ؛ إذ لا يتم ولو قاسى كل الشدائد ، وإنما يتم منه إذا لم