حكى صلىاللهعليهوسلم عنه تعالى : «فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به» (١) ، أسمعه كلامه ، وليس هناك الحروف والأصوات ، بل أسمعه بحرف القدرة وصوت الأزلية الذي منزّه عن همهمة الأنفاس ، وخطرات الوسواس ، وليس في ولاية الأزل من رسوم أهل الآجال شيء ، هناك السامع والمسمع واحد من حيث المحبة لا من حيث الجمع والتفرقة.
(يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (١٧١) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (١٧٢) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧٣))
قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) كان رسول الله إلى عباد الله بأمانة الله ، وهي نور جلاله الذي برز من وجهه لهم ؛ ألا ترى كيف توجّهوا إليه وصاروا عاشقين به كما عشقت ملائكة الله لوجه آدم عليهالسلام ، ولذلك سجدوا لآدم عليهالسلام ، وذلك من تجلّي كلمته الأزلية التي كظهر نورها في مريم ، وكان في ظاهره وباطنه روحا صدر من زند نعوت الأزل حين انقدحت لظهوره من العدم ، وأدنى عيسى عليهالسلام خاصية فرده أفضل من خاصية آدم عليهالسلام ؛ لأن هناك قال : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) [الحجر : ٢٩] ، خصّه بالروح منه فيه ، ولههنا قال : (وَرُوحٌ مِنْهُ) يعني ظاهر صورته وروحه بمجموعها ، (وَرُوحٌ مِنْهُ) العالم بأسرها صورة وروح تلك الصورة هي الأنبياء والأولياء ، قال عليهالسلام : «بهم يمطر ، وبهم ينبت ، وبهم يدفع البلايا» (٢).
قوله تعالى : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) لماذا اتصف بأوصاف الحق حين برزت أنوارها له ، وباشرت أسرار لطائفها قلبه وروحه
__________________
(١) رواه البخاري (٥ / ٢٣٨٤).
(٢) رواه أبو نعيم في الحلية (١ / ٩).