حسني وجمالي ، وإن هذا العذاب عذاب الفراق ، وهو أشد العذاب للطالبين.
قال الشيخ أبو عبد الله : كنت نائما في بدايتي ، فرأيت في منامي رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحركني ، قال : قم يا أبا عبد الله ، فإن من عرفه وآثر غيره عليه فإنه يعذبه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين.
(وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (١١٦) ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١١٧) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١١٨))
قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) غيّر الله سبحانه المنتسبين إلى الشرك بقولهم إن الله ثالث ثلاثة فأظهر الله تنزيه عيسى عليهالسلام ممّا زعموا.
وتصديق ذلك قوله تعالى : (قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍ).
وأيضا : ألف الله سبحانه أن يخاطب الكفرة بما كذبوا وزاغوا عن التوحيد والحق ، وخاطب مع صفيه وروحه إعلاما للكافرين بتغييرهم ؛ لأن السلطان إذا أراد أن يخاطب قوما خاطب كبيرا من كبرائهم ، وأراد بذلك قومه ، وفيه أن الله سبحانه أراد أن يجر روحه عليهالسلام إلى مقام سطوات العظمة وخطاب الكبرياء ، ليفيه به عنه حتى لا يبقى للحدث في القدم أثر ، ولولا فضل الله عليه لا يكون بعده أبدا من عزّة الخطاب وعظمة القول.
قال عبد العزيز المكي : لولا إثبات الله إياه لذاب على مكانه ، وصار ماء بين حياء الله وخجلته ، ولو خيّر عيسى عليهالسلام بين النار وبين هذا العتاب لاختار النار ، ولو أحرق بنار الأبد كان أحب إليه من أن ينسب الربوبية إليه.
وفرق ابن عطاء بين السؤالين : بين سؤال الأنبياء حين قالوا : (لا عِلْمَ لَنا) [البقرة : ٣٢] ، وسؤاله عن عيسى عليهالسلام (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي) ، وقال سأل عيسى عليهالسلام عن قصته وحاله ولم يسعه السكوت عنه ، وسأل الأنبياء عن أحوال الأمم فدهشوا ، وذلك أنّ سؤال الرسل إظهار العظمة ، وسؤال عيسى عليهالسلام براءة وتنزيه عما قيل فيه.
وقد سنح لي قول آخر : وهو أن الأنبياء حين سئلوا كانوا في مقام الهيبة ومشاهدة