الملكوت ؛ لذلك فضلت الملائكة والآدمي على غيرهما ، قال تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ ...) الآية.
وقوله : (وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) أي جناحيه : جناح التوكل والرضا ، وجناح الخوف والرجاء ، وجناح الفناء والبقاء ، وجناح الإيمان والتقى ، وجناح النعمة والبلاء ، وجناح الهمة والصفات ، وجناح العبودية والربوبية ، وجناح المعرفة والمحبة ، يطيرون بها هربا وطربا وشوقا وطلبا ، وإشارة الظاهر في المثلية أن جبلة الأمم من العناصر الأربع خلقت ، ومن طبيعة الحيوانية والروحانية أنشئت ، وتساوت في الأكل والشرب والحركة والاجتماع ، وصفات النفسانية ونعوت الذاتية من الحرص والغضب والشره والبطر ، وحقائقها في التساوي رجوعها إلى معدن الفطرة ، الذي أنشأها الله منه ؛ لقوله تعالى : (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) [طه : ٥٥].
ومن أئمة التفسير الظاهر قول ابن عطاء قال : أمثالكم في التوحيد والمعرفة.
وقيل : (إِلَّا أُمَمٌ) في التصوير (أَمْثالُكُمْ) في التسخير ، وأقوام جميع الحيوان والملائكة والجن والإنس والجمادات من العرش إلى الثرى بالقدرة القادرية الأزلية ، ولهم مشارب وسواق من بحر خطاب الله ، وكلماته الأزلية المبيّنة طرق توحيد الملائكة ، ومعرفة الناس وفطرة الحيوانات والطيور والحشرات والسباع الممزوجة طباعها بالعلم بصانعها وخالقها ، إلى ظهور صفاته وذاته لهم بيانا غير مشكل عليهم ، ولا ناقص عن تمام مرادهم.
قال تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) أي : كل ما يحتاج الخلق في العبودية وعرفان الربوبية بيّناه في كتابنا ، ليس مقام ولا حال ولا وجد ولا إدراك ولا معرفة ولا رؤية إلا وبيّن طريقه في كلامه تعالى صفته الخاصة المبينة ، عرفان جميع الصفات ، وطرق الصفات إلى الذات ، أخبر تعالى به عن أسرار الأولين والآخرين من العرش إلى الثرى.
قال بعضهم في قوله تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) أي : ما أخرنا في الكتاب ذكر أحد من الخلق ، ولكن لا يبصر ذكره في الكتاب إلا المؤيدون بأنوار المعرفة.
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٩) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٠) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ (٤١) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (٤٢) فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ