قال النوري : من فتح سمعه بالسماع أجرى لسانه بالجواب ، قال الله تعالى : (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) (١).
وقال ابن عطاء : أخبر الله أن أهل السماع هم الأحياء ، وهم أهل الخطاب والجواب ، وأخبر أن الآخرين هم الأموات بقوله : (وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ).
قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) إن الله سبحانه خلق غير الآدمي والملائكة والجن من الحيوانات والطيور والسباع والحشرات على فطرة التوحيد ، وجبلة المعرفة ، وإن الله سبحانه خاطبها لوضوح طرق معارفه ، والإيقان والإيمان جعل لها طرقا من خواطرها ، منورة بأنوار العقل إلى حضرته القديمة الأزلية وأسرارها ، ينظرون بنور الأفعال ولطائف الصنعة ، وسناء الخطاب إليها على السرمدية ، وإنها تعيش وتتحرك وتطير بقوة من قوى الحضرة ، وهذا الصفير والألحان والزفرات والشهقات منها من حلاوة تصل إلى قلوبها من روح عالم الملكوت ، ووضوح أنوار الجبروت ، ولها على قدر حالها في المعرفة والتوحيد شوق إلى الله ، وذوق من بحار رحمة الله.
سمعت أن سمنون المحب كان إذا تكلم في المحبة تنشقّ القناديل ، ويسقط الطير من الهواء ، حتى سمعت أن يوما ما كان يتكلم في المحيط فسقط طير بين يديه ، وغرز منقاره في الأرض ، وقطر الدم من منقاره ، ومات بين يديه.
وأمثال هذه الحكاية كثيرة في الآثار والأخبار ، من جميع الحيوان والسباع والطيور والحشرات ، ألا ترى كيف تكلم الضب مع النبي صلىاللهعليهوسلم ، وكيف مدحه بقوله : «ألا يا رسول الله : إنّك صادق ، فبوركت مهديّا وبوركت هاديا» إلى قوله : «فبوركت في الأحوال حيّا وميتا ، وبوركت مولودا ، وبوركت ناشئا» (٢).
وقوله تعالى : (إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) في طلب الحق ، وإفراد قدمه عن الحد والاعتبار في صنائعه اللطيفة ، التي تبرز منها أنوار الصفات في العالم ومثيلتها ، إنها خلقت من عالم الملك والشهادة والأفعال والآدمي والملائكة خلقت أجسامهما من عالم الأفعال ، وأرواحها من نور
__________________
(١) إنما يستجيب لدعوة الخصوصية ، ويجيبون الدعاة إلى السير لشهود عظمة الربوبية ، الذين سبقت لهم العناية ، وأحيا الله قلوبهم بالهداية ، فيسمعون بسمع القلوب والأرواح ، ويترقّون من حضرة عالم الأشباح إلى حضرة عالم الأسرار والأرواح ؛ والموتى بالغفلة والجهل يبعثهم الله ببركة صحبة أهل الله فتهب عليهم نفحات الهداية ؛ لما سبق لهم من سر العناية ، ثم إليه يرجعون فيتنعمون في حضرة الشهود ، في مقعد صدق عند الملك الودود [البحر المديد (٢ / ١٤١)].
(٢) ذكره ابن حجر في الإصابة (١ / ٥٢٣) بنحوه.