وأيضا : وبّخهم بانصرافهم عن بابه تعالى في دعة العيش من قلّة وجدانهم حلاوة قربه ووصاله إلى طلب زيادة حظوظ أنفسهم ، والسكون إلى غير الله ، ثم يرجعون إلى بابه حين امتحنهم بالبلايا ، ويدعونه لكشف الضر عنهم لا لطلب مشاهدته وقربه ، يدعونه ، وهذه عادة المفلسين المعرضين عنه إلى غيره.
قيل : على غيره تتكلون ، وإلى سواه ترجعون ، وهو الذي وفقكم لمعرفته ، وأقامكم مقام الصادقين من عباده.
قال الجريري : يرجع العارفين إلى الحق في أوائل البدايات ، ويرجع العوام إليه بعد اليأس من الخلق.
قال الله تعالى : (أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) بل الصادق من إليه يرجع ، وإياه يدعو.
قال الجنيد : من دعا الحق فبإياه لإياه يدعو ، من غير حظّ فيه ولا حضور من نفسه ، قال تعالى : (بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ).
قال بعضهم : بل إليه المرجع لمن غفل عنه خطابه.
قوله تعالى : (فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) هذا وصف قوم لم يذوقوا طعم وصل المشاهدة ، حيث أرجعهم الحق إليه بسوط قهره ، ولو كانوا على محل المعرفة والمحبة والشوق إلى المشاهدة لم ينصرفوا عنه طرفة عين.
وأيضا : إذا أراد سبحانه كلاءة قوم من محبته إياهم ألزم عليهم حراس بلياته ، وضرب عليهم سرادق حفظه ؛ لئلا يشتغلوا بغيره لحظة.
وأيضا : أي لما اشتغلوا بحظوظ ما وجدوا من قربنا أوقعناهم في أودية الفترة حتى لم يجدوا آنئذ المواجيد وحقائق الواردات ، ومسسناهم ببأساء الفراق وضراء الأشواق ؛ لكي يصلوا إليّ من نفوسهم وحظوظهم ، ويروني بنعت تجريد التوحيد ، وإفراد القدم عن الحدوث.
قال ابن عطاء : أخذنا عليهم الطرق عليها ليرجعوا إلينا.
(فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (٤٤) فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٥))
قوله تعالى : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ) وصف قوما تركوا نصائح المشايخ من