إعجابهم برأيهم ، ولم يتيقظوا بدقائق إلهام الله الذي نزل على قلوبهم حين زجرهم طوارق الغيب عن سكونهم بما وجدوا من أنفسهم نبذة من الحكم ولمعا من الفراسة ، وهذا معنى (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ).
ولما سكنوا إلى أنفسهم لما وجدوا من لطائف الكرامات فتح الله عليهم أبواب الرئاسة والجاه عند الخلق ، حتى إذا فرحوا بتمكينهم عند العوام يرد الله قلوب الخلق عنهم ويفضحهم عندهم ، ويعرف الخلائق خيانتهم ومكرهم وسقوطهم عن درجة القوم ؛ حتى لا ينظر إليهم أحد من خلقه بالشفقة والرحمة ، ويموتوا على حسراتهم ، وهذا معنى قوله تعالى : (فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً).
وقوله تعالى : (فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) أي : آيسون من نيل كرامات الله بعد ذلك ؛ لأنهم خانوا في طريقه ، وهو لا يهدي كيد الخائنين.
فلمّا قدّس الله بساط الولاية عنهم ودفع إيذاءهم عن خواص حضرته أثنى على نفسه ، وحمد جلاله المنزّه عن الاستبشار بوجودهم والاستيحاش عن عدمهم نيابة عن أحبائه ، الذين عجزوا عن حمده وثنائه بقوله تعالى : (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (٤٦) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (٤٧))
قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ) الإشارة في ذلك إلى أهل مقام ذهاب الذهاب ، أي : إن أخذ الله أسماع أسراركم بصواعق العظمة ، وطمس بطون بصائركم بأنوار العزة ، وختم على قلوبكم بخواتم الملكوت والجبروت بعد امتلائها من أنوار الكبرياء ، وفنائها في سنا البقاء حين غلبت سطوات القدم على الحدث بنعت تلاشي الحدث ، فيبقى القدم ولا يبقى العدم من يكون بعد عدمه في القدم ممن يدعي الأنائية ، ويخرج نفسه بعد فنائها من تحت أذيال الأحدية بوصف سمع الأزلي ، وبصر الأبدي ، وقلب الصمدي ، لا يكون للفاني في الباقي أثر ؛ فإنه ـ تعالى ـ قادر به بذلك ، منزّه عن النظير والعديل.
قال الترمذي : إن أخذ الله سمعكم عن فهم خطابه ، وأبصاركم عن الاعتبار بصنائع قدرته ، وختم على قلوبكم سلبكم معرفته ، هل أحد يقدر على فتح باب من هذه الأبواب