يكون كذلك.
(وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٥١))
قوله تعالى : (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ) أدق طريق معارفه ؛ حيث أسبل نقاب العظمة على وجه جلال القدم ، وضرب سرادق العزة على ساحات الكبرياء ؛ حتى لا يصل إلى إدراك كنه قدمه وبقاء ديموميته.
وبيّن ذلك في كلامه القديم ، أي : خوف بما وصفت نفسي بامتناعي عن مطالعة الخليقة وإدراكها سر حقيقة وجودي في كتابي وخطابي ، الذين يخافون من قطيعتي ، ويعلمون تنزيه جلالي عن أن يصل أحد إليّ بطاعته حين أحشر إليّ بعلل الإنسانية وسمات النفوسية ، إن الأمر هناك أجلّ من أن تخطر بخواطرهم ، وأدقّ من أن يفهم أحد ، فإن مكري قديم ، وصفتي تنزيه ، لو أحرق جميع المخلصين بنيران البعد بعد أن يكونوا من أهل القرب ، فلا أبالي فإن كيدي متين ، ولو يأتونني بملء السماوات والأرض إخلاصا ، وأريد أن أرفق عليهم بإخلاص الإخلاص لا يخلصهم إخلاصهم من دقائق حسابي.
وما أطلع عليهم من خطرات ضمائرهم المسيرة إلى غيري ، ولو أمنعهم مني من يتولى أمرهم بإرجاعهم إلى غيري ، وهذا معنى قوله تعالى : (لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) لعلهم يتقدسون من نفوسهم بقدس تذكرتي وذكري لهم ، ويخافون مني بقلة خوفهم عني.
قال أبو عثمان : أهل المعاملات وأرباب الصدق في ذلك خائفون ممّا يبدو لهم من الإيمان والتوكل واليقين وأنواع العبادات ، وعرض ذلك على ربهم يشغلهم خوف ذلك من رؤية أفعالهم والتلذذ والاعتماد عليها ، قال الله تعالى : (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ) ... الآية.
وقال أبو سعيد الخرّاز في الآية : (أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ) : أن يجعلوا إليّ وسيلة أو شفيعا إلى نفسي سواي.
قال الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي : سمعت الأستاذ أبا سهل محمد بن سليمان يقول : لسنا مخاطبين بحقائق القرآن ، إنما المخاطب بحقيقته هم الذين وصفهم الله ، فقال : (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ ...) الآية ، وقال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) [ق : ٣٧].
وقال الواسطي في قوله : (لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ) : من استقطعته المملكة عن الملك لا يصلح لخدمة الملك.