اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) من هؤلاء الفقراء مثل بلال ، وصهيب ، وسلمان ، وعمار ، وحذيفة ، والمقداد ، ونظرائهم من أصحاب الصفة ، الذين يدعون الله لوصولهم إليه عند كل صباح ومساء ؛ لشوقهم إلى جماله ومحبتهم اللحوق منه ، وهذا معنى قوله : (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) (١) ، وخصّ الغداة والعشي بالدعاء ؛ لانجلاء أذيال الظلام من النهار بالغداة ، وانجلاء أذيال الضياء من الظلام بالعشي ، ولأن هناك ظهور تجلي القدرة وجلال العظمة ، وهناك تكون ساعة تستجاب الدعوة فيها.
وأيضا : يدعون الله بنعت الفناء في شوق جماله عند طلوع كل صبح من أنوار تجلي صفاته في قلوبهم عند كل نفس ؛ لأن عند تنفس كل نفس من العارف يكون صبحا من ظهور بركة مشاهدته هناك ، ويدعون ويستزيدون محبته وشوقه وقرب مشاهدته هناك ، ويدعون عند كل وارد غشيان الأحوال على قلوبهم بنعت الحيرة في عظمته ؛ لأن ظهور تراكم سحائب العظمة وضباب الكبرياء ، وبعد كل نفس بنفس العارف يكون عشي الحال ، وليالي الوصال كانوا يدعون الله في جميع أنفاسهم لقاءه لإرادتهم احتراقهم في أنوار وجهه تعالى ، وعلّق الدعاء بالوقتين ؛ لأنهم هناك سكنوا من علية الواردات وطوارق الحالات ، فلمّا سكنوا في تلك الساعات ضاقت صدورهم ، ودعوا الله بإرجاعهم إلى السكر بعد الصحو ، وإلى حضورهم بعد الغيبة.
ألا ترى إلى قوله : (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) وصفهم بالإرادة مع كمالهم في المعرفة ؛ لأن الكامل يرجع عند كل نفس من مقام النهاية إلى مقام البداية ؛ لأن هناك منزل النكرة من ظهور أنوار آفاق القدم ، وبروز سنا بطون الآزال ، وكشف غيوب الآباد فرّوا من سطوات الذات إلى نور الصفات ؛ لأن هناك مقام المعرفة ، ورؤية الذات مقام النكرة ، ففرارهم من النكرة إلى المعرفة ، ومن النهاية إلى البداية.
ألا ترى إلى قول الصديق رضي الله عنه كيف قال : «سبحان من لم يجعل سبيلا إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته» (٢).
وسئل بعض العارفين : ما النهايات؟ قال : الرجوع إلى البدايات.
وخصّ الله سبحانه إرادتهم وجهه ؛ لأن الوجه صفة أزلية من خواص صفاته المتشابهة ،
__________________
(١) أي : يريدون وجه الله ورضاه ، ولا يغيبون عنه ساعة ، ثم قال : أزهد الناس أصفاهم مطعما ، وأعبد الناس أشدهم اجتهادا في القيام بالأمر والنهي ، وأحبهم إلى الله أنصحهم لخلقه [تفسير التستري (١ / ١٣٥)].
(٢) ذكره المناوي في فيض القدير (٢ / ٣٥٤).