عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا) استهزاء ، فأجابهم الله رغما لأنوفهم : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) أي : هو تعالى يعلم صدقهم وإخلاصهم وبذل وجودهم شكرا لإنعامه ، وحمدا لما منّ عليهم من الدرجات الرفيعة ، والحالات الشريفة ، ويعلم غيظ أعدائهم.
وفي الأية نكات : أن فتنة الفقر طمعه إلى الغنى ، وفتنة الغني بغضه للفقير ؛ لئلا يؤديه حقه.
وأيضا : في الحقيقة مقام الفقر مقام التجريد والتوحيد والتنزيه ، وإفراد القدم عن الحدوث ، وفناء النفس في الحق ، وإذا كان الفقير بهذه الأوصاف يستظل بظلال الربوبية ، ومقام الغنى مقام الاتصاف بصفات غنى القدم والاكتساء بكسوة الربوبية ، فإذا كان الغني بهذه الأوصاف يكون نائب الحق في العالم ؛ فإذا رأى فقيرا بوصف ما ذكرنا يصول عليه بقوة مقامه ، فيكونان في حجاب حالهما ومقامهما ورؤية غير الله ، وهذا من غيرة الله عليهما ؛ لئلا يسكن أحدهما الآخر ، فيسقطان من درجة السكون إلى الحق ، ومن غيرته تعالى على نفسه لشغل بعضهم بعضا ؛ لئلا يطّلع عليه غيره.
وما ذكرنا بمجموعه فهو معنى قوله : (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) ، وما يليق بذلك من تفسير.
وقوله تعالى : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) أي : بالذين منهم من لا ينظر في طريقه إلى نفسه وإلى غيره طرفة عين.
قال الحسين رضي الله عنه في قوله تعالى : (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) : قطع الخلق بالخلق عن الحق.
وقال محمد بن حامد : فتنة الفقراء بالأغنياء ، وفتنة الأغنياء بالفقراء ، ففتنة الفقير في المعنى رؤية فضله ، وبسخطه لما يمنعه ما في يده ، ويراه المعطي والمانع دون الله ، وفتنة الغني في الفقير ازدراؤه الفقراء ، وتحقيره إياهم ، ومنعهم ما أوجب الله عليه لهم مما في يده ، وامتنانه عليهم بإيصالهم إلى حقوقهم وإيصال الحقوق إليهم ، والذي يسقط عن الفقير فتنة فقره رؤية دخل الأغنياء ، والذي يسقط عن الغني فتنة غناه رؤية دخل الفقراء.
قيل : في الشكر ، والشاكرون : الراجعون إلى الله في جميع أحوالهم.
(وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ