(رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا) [آل عمران : ١٩٣].
سئل أبو يعقوب النهرجوري عن المريد؟ فقال : صفته ذكرها الله في كتابه : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) ، وهو دوام ذكر وإخلاص عمل ، أوصى بهذه الآية أكابرهم في التعطف عليهم والصفح عن زللهم.
قال بعضهم : يدعونه شوقا واعتمادا عليه لم يشغلهم شاغل ، ولم يصدهم عن خدمته صادّ ، قائمون على بابه من الخدمة والعبودية ، منتظرون زوائد بركاته عليهم.
ولي إشارة أخرى : أن الله تعالى وصف حضورهم بالغداة والعشي أي : حضروا في الحضرة بالغداة بعزم خدمته إلى العشي ، وحضروا بالعشي بعزم خدمته إلى الغداة حتى تكون أوقاتهم مسرمدة بغير فترة.
الإشارة فيه : لمّا وصفهم بالحضور نفى عنهم بدليل الخطاب جميع أشغال الدنيا ، أي : كانوا رجال المراقبة والحضور والمشاهدة ، لا يشغلهم عن الله شاغل طرفة عين ، كما وصفهم في موضع آخر بقوله : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) [النور : ٣٧].
وأيضا فيه لطيفة : وصفهم بالحضور بالغداة والعشي على تسرمد الأحوال لترويحهم سويعات بالأحكام الظاهرة ، هذه شفقة من الله ؛ لكيلا تحرقهم نيران محبتهم ، وتزيلهم حدة إرادتهم.
يقال : أصبحوا ، ولا سؤال لهم من دنياهم ، ولا مطالبة من عقباهم ، ولا همة سوى حديث مولاهم ، فلمّا تجردوا لله تمحضت عناية الحق لهم فتولى حديثهم.
وقال : ولا تطردهم يا محمد ، ثم قال : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٥٢] ، الفقير خفيف الحال لا يكون على أحد منه كثير مؤنة.
وقوله تعالى : (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) : الفقير الصادق إذا امتنّ الله عليه بمعرفته ، وكشف مشاهدته ، وكساه رداء هيبته يتجلّى عند جميع الخلائق لبروز نور جلال الله من وجهه بحيث يجيء بقوم العالم عنده لصولة حاله ، وغلبة وجده ، ولطائف كلامه ، ويكون سالب قلوب الخلق بما يجري عليه من أحكام ربوبية الله ، فيظهر للحق منه سنا كرامات الله ، ولطيف آيات الله ، فيحسده عليه أهل الدنيا من المغرورين بمزخرفاتها ، الواقعين في ورطاتها ، ويقولون عند العامة : أهذا الذي له كرامات وآيات؟! هذا طراز سالوس ، وأرادوا بذلك صرف وجوه الناس عنه إليهم.
قال الله سبحانه في وصف الحساد عند حسدهم على أوليائه : (أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ