عبادته ، لا بعبادتهم وصلوا إلى رحمته ، وبرحمته نالوا ما عنده لا بأفعالهم ؛ لأن النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : «... ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمته» (١).
وقال ابن عطاء في قوله تعالى : (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ) : كل من عصى الله عصاه بجهل له ، وكل من أطاعه أطاعه بعلم ، فإن العبد إذا لم يعظم قدر معرفة الله في قلبه ركب كل نوع من البلاء.
وقال بعضهم في قوله تعالى : (فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) : بادرهم بالسلام قبل أن يسلموا ؛ إكراما لهم ، وإظهارا لقدرهم.
قال بعضهم في قوله تعالى : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) : في الأبد لمن نظر إليه في الأزل بعين الرحمة.
قال أبو عثمان : أوجب على نفسه عفو المقصرين من عباده ؛ لذلك قال : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ).
وقال بعضهم في قوله : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) : في الصفات الجارية عليهم ولهم ، الذي أعتقهم من رقّ الكون ، وأظهرهم من خفايا المخزونات المصونات المكنونة بأعجب أعجوبة ، ثم أشهدهم السلام ، فكانوا سالمين منه في إظهار ربوبيته ، سالمين منه في آخريته ، استحقوا اسم السلام بذلك.
(قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (٥٧) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (٥٨))
قوله تعالى : (قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) أي : على يقين ومشاهدة ورؤية غيب وسلطان براهين ، وسطوع نور الأزل من وجهي ، فإنه أعظم البينات في العالم ، من رآه رأى الحق ؛ لقوله عليهالسلام : «من عرفني فقد عرف الحقّ» (٢) ، و «من رآني فقد رأى الحقّ» (٣).
قال أبو عثمان المغربي : الأنبياء على بينات ، والأكابر من الأولياء على بينات ، وبينات الأنبياء وحي يقين ، وبينات الأولياء الفراسات الصادقة ، والإخبار على الغيب كما كان ليوشع عليهالسلام وللصديق الأكبر رضي الله عنه.
__________________
(١) رواه البخاري (٥ / ٢٣٧٣) ، ومسلم (٤ / ٢١٦٩) ، وأحمد في مسنده (٣ / ٣٣٧).
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) رواه البخاري (٦ / ٢٥٦٨) ، ومسلم (٤ / ١٧٧٦).