المحبين والمشتاقين والعارفين إلا بعلمه على خاصيتهم واصطفائيتهم بذلك ، ولا يكون حبة المحبة في غيوبات قلوب المحبين إلا هو تعالى يربّيها بمياه لطفه ورياح كرمه ، وبياض نهار مشاهدته ، وسبل إسبال ستر رعايته حتى رسخت أصلها في أرض القلب ، وأثمرت فرعها في سماء اليقين.
قال تعالى : (أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ) أخبر سبحانه بإحاطة علمه على كل ذرة من العرش إلى الثرى ، وعن شمول أنوار سلطان كبريائه بنعت الغلبة على جميع الحدثان ظاهرا وباطنا (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) [سبأ : ٣] ، وهدد به العباد ؛ ليفرغوا منه إليه عند كل خاطر يخطر على قلوبهم يشير إلى غيره ، فإنه يعلم السرّ وأخفى ، وبيّن أن جميع المقدورات من العرش إلى الثرى في كونيتها من العدم إلى الوجود ، ومن الوجود إلى العدم يكون بسابق مشيئته الأزلية ، وإرادته القديمة ، وأن جميعها مكتوب على ألواح الصمدية بأقلام أقداره ، الغربة محفوظة من تغير الحدثان في تلون الزمان والمكان.
وصحة ذلك قوله سبحانه : (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [الأنعام : ٥٩] رطوبتها من أثر نسيم شمال ربيع لطف مشاهدته ، وخضرتها من نضارة ظهور عرائس قدرته ، وصفرتها من تأثير رياح خريف قهره ، وسقوطها من حدة صولة نظر عظمته ، وبدوها خضوعا لربوبيته ، وزوالها من تقديس جلاله عن علة الكون والوجود والعدم.
قال الواسطي في قوله تعالى : (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها) : متى علمها حين لا متى؟
قيل : نضرتها وخضرتها وذهابها حتى لا يوجد منها شيء ، فما ستر من صفاته ، وما أظهر واحد ، ذلك على قدر الكون ، إنّما يتكلم بأقدارنا ، ويشير بأخطارنا ، ولو كان قدره كان الهلاك.
وقيل في قوله : (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ) : فالاضطرار في أن يقدم ما أخّر أو يؤخر ما قدّم منازعة لربوبيته وخروجا عن عبديته.
قال أبو سعيد القرشي في هذه الآية : ما من دابة إلا ولها ورقة خضراء معلقة من تحت العرش ، فإذا يبست الورقة وقعت بين يدي ملك الموت ، مكتوب عليها اسمه واسم أبيه ، يعلم ملك الموت قد أمر به بقبض روحه فيقبض روحه.
وفي الحديث المروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ما من زرع على الأرض ولا ثمار على الأشجار