إلا عليها مكتوب : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) هذا رزق فلان بن فلان» (١) ، وذلك قوله في محكم كتابه : (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها).
(وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٦٠) وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (٦١) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ (٦٢)) (٢).
قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ) : توفيتهم في الليل لطيران أرواحهم في الملكوت ، وسيرانها في أنوار الجبروت ، ليزيد شوقها إلى معادنها ، وتعرف ما يجازي به بأعمال الأشباح التي كسبتها ، وبالنهار من الثواب والعقاب ، وتعلم قدرة الله بالإماتة والإحياء مباشرة ومعاينة ؛ ليجيء عليها وقت انقطاعها من الحدثان إلى مشاهدة الرحمن ، أشار إلى هذا بتمام الآية : (ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
وشاهد الآية ومعناها : قوله تعالى بعد ذكر قهر سلطانه بوصف الإحاطة على العبد ومحافظته بالملائكة وإرجاعه إلى كنفه القديم وقربه الكريم : (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ) من شرفه وكرامته لا يبقيه في سجن الدنيا وبليتها ، وأبدى الملائكة الكاتبين عليه أعماله غيره على وليه ؛ لئلا يطّلع عليه غيره ، وفي الآية رجاء المذنبين ، وذلك تلطفه بهم حيث قال : (مَوْلاهُمُ الْحَقِ) ، لو قال : (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ) ، ولم يقل : (مَوْلاهُمُ الْحَقِ) لذابوا من عظمته وقهر كبريائه ، ولكن تعطف على عباده بإضافة مولويته إليهم ، ولو قال : «هم موالي» لكان عظيما ، خصّ أن قال : (مَوْلاهُمُ الْحَقِ) أي : حبيبهم وناصرهم الحق أذهب الأمر من مقام الهيبة إلى مقام الزلفى من قوله : (رُدُّوا إِلَى اللهِ) ، ثم قال : (مَوْلاهُمُ الْحَقِ).
__________________
(١) رواه الديلمي في الفردوس (٤ / ٥٣).
(٢) قال ابن عجيبة : من علم أن الله قاهر فوق عباده ، انسلخ من حوله وقوته ، وانعزل عن تدبيره واختياره ؛ لإحاطة القهرية به ، ومن تحقق عموم قهاريته تعالى ، علم أنه لا حجاب حسي بينه وبينه ، إذ لو حجبه شيء لستره ما حجبه ، ولو كان له ساتر لكان لوجوده حاصر ، وكل حاصر لشيء فهو له قاهر (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) ، وإنما المحجوب : العبد عن ربه بوجود وهمه وجهله ، ومن تحقق أن الملائكة تحفظ أعماله استحيى من ارتكاب القبائح ، لئلا تعرض على رءوس الأشهاد [البحر المديد (٢ / ١٥٦)].