قال بعضهم : هي أرجى آية في كتاب الله ؛ لأنه لا مردّ للعبد أعزّ من أن يكون مردّه إلى مولاه.
(قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٦٤) قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (٦٦))
قوله تعالى : (قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) الإشارة فيه إلى من غمّ عليه غيم القبض ، وتراكم عليه كرب الفراق ؛ ليخلصه الله منها بكشف جماله له ، وقربه إلى وصاله ، فيخطر على سرّه وارد الامتحان ، فيميل من حظ رؤية الصفة إلى حظ رؤية الفعل عند رؤية مستحسنات الكون ، أي : كاشفت كرب البعد عن قلوبكم ، بكشف قرب مشاهدتي لها ، فنظرتم إلى المستحسنات التي رؤيتها ممزوجة بلذة شهوات نفوسكم ، فتشركون إذا سكنت قلوبكم إلى غيري ، وإن كان محل لطفي ، لكان هناك منازلة مكر القدم.
قال بعضهم يقول الله : «أنا كاشف الكروب ، ومن قصدني عند كرباته وحاجاته كشفت عنه كروبه ، ومن قصد غيري أسقطت عنه وجاهته» (١).
لما ذكر امتنانه بكشف الكربة وعاتبهم لشركهم وسكونهم إلى غيره خوّفهم بقدرته الأزلية ، وإرجاعهم إلى ظلمات الكربة ، وعذاب الفرقة بقوله تعالى : (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) أي : بأن أحجبكم من النظر إلى ملكوتي ، وأقطع موارد تجلي مشاهدتي عن قلوبكم ، (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) أي : لا أسهّل عليكم القيام على باب ربوبيتي بنعت الخدمة ، وطلب الوصلة ، (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) إنكارا على أوليائي وأهل مجالستي ، (وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) مخالفة المريدين للمشايخ ، ومفارقة المشايخ من المريدين.
قال القاسم في قوله : (عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) : اللهو والنظر إلى المحرمات ، والنطق بالفحش ، (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) المشي إلى الملاهي ، وأبواب السلاطين ، وهتك أستار المحرمات ، (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) برفع ما بينكم من الألفة ، (وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) بكفر أهل الهوى بعضهم بعضا.
(لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٦٧) وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا
__________________
(١) لم أقف عليه.