فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٦٨) وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٦٩))
قوله تعالى : (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ) أي : كل خطاب من خطابنا معدن من ذاتنا ؛ لأن خطابنا كلامنا ، وكلامنا صفتنا قائمة بذاتنا ، وذاتنا معدن صفاتنا ، فإذا ورد أمر كان وارد خبر الغيب ، وخبر الغيب وارد الخطاب ، ووارد الخطاب وارد الكلام الذي هو صفة الأزل التي سطع نورها من ذات القديم ، وورد على أشكال الأمر والفعل ، فيكون على قدر عقول الخلق ، ولو خرج صرفا لم يحتمل الحدثان ، ويضمحل فيه الزمان والأكوان ؛ لأن نعوت الأزلية لا تحملها إلا صفة الأزلية.
وأيضا : لكل خبر على صورة المدركة مراد من الله سبحانه الذي يوافق خبر الغيب ، ولا يفهمه إلا رباني الصفة.
وأيضا : لكل خطاب من الله سبحانه من قلوب العارفين مستقرّ لا تنزل إلا في مستقره ، هناك لا يضطرب الخبر ؛ لأن هناك مسقط تجلّي الأزل ، وخبر الأزل في موضع تجلّي الأزل يستقر ؛ لأنه أهله.
قال عليهالسلام : «أهل القرآن أهل الله وخاصّته» (١).
وأيضا : لكل نبأ بيان يدل ذلك إلى مقام من مقامات الصديقين ، مثلما ذكر في القرآن أوصافهم ، ونعوتهم من المحبة ، والخوف ، والرجاء ، والصدق ، والإخلاص ، والمعرفة ، والتوحيد ، والإيمان ، والإيقان ، والمشاهدة ، والمكاشفة ، والحضور ، وإلقاء السمع ، وأمثال ما ذكرنا يوجب الخبر ، وصف فوائد تلك المقامات لأهلها ، ولا يستلذه ، الحمد لله الذي خصّ أولياءه بهذه المقامات.
وأيضا : لكل نبأ من أوقات العارفين وقت ، ينزل على قلوبهم على قدر الوقت ليدل على معالي درجات الغيب.
قال الحسين : لكل دعوى كشف.
قوله تعالى : (وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) وصف رعايته تعالى أهل حضرته الذين خرجوا بنعت التجريد من أنفسهم ، ومن الأكوان جميعا ، ألا يطرأ عليهم من طوارق القهر التي استأصلت أعداء الله بمماسة قهرها ، أي : لا يرجع شرّ الأعداء إلى الأولياء في الدنيا والآخرة ؛ لأنهم مصونون بكلاءة الله وحفظه إياهم ، ووصفهم بتمام الآية
__________________
(١) رواه ابن ماجه (١ / ٧٨) ، وأحمد (٣ / ٢٤٢).