بقوله تعالى : (وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أي : إذا كنتم مصونين بحفظي عن شر الأشرار ذكرهم أوصاف عظمتي وجلالي ؛ كي يتقوا من عذابي ، ويرجعوا إلى بابي نادمين من زلاتهم ؛ لأن الوعظ والتذكير من شأن أهل التمكين والاستقامة في المعرفة ، والطريقة ؛ فإنهم ثواب الأولياء والرسل.
قيل : ما على التاركين الاعتماد على الوسائط ، والأخذ من الحق حظوظهم حساب.
قال سهل : أخذ الله تعالى على أوليائه بالتذكير لعباده ، كما أخذ التبليغ على أنبيائه ، فعلى أوليائه أن يذكروا به ، وأن يدلوا عليه ؛ إذ أخذ الله عزوجل ذلك عليهم ، ومتى قعدوا عن ذلك كانوا مقصرين.
(وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠))
قوله تعالى : (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً) أي : اترك البطّالين الذين شغلوا عنا بحظوظ الكونين ؛ حتى لا يزاحموا مجالس الصديقين ؛ فإنهم محجوبون بحظوظهم عن لذة خطابنا ، وحقائق خبرنا ، ولذة صحبة أوليائنا.
قال الحسين رضي الله عنه : ألا تلاحظ من شغلهم خلقنا عنّا ، وأنسوا بحياتهم في دنياهم ، وهي في الحقيقة موت ، والحي من يكون حيّا.
(قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٧١) وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٢))
قوله تعالى : (قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) أي : إن هدى الله الذي بسط شرائعه وحقائقه وطرائقه للأنبياء والأولياء والصديقين والمقربين ، وذلك طريق عرفانه ، والوصول إلى جنان مشاهدته ، وذلك الطريق لأهل معرفته يدل الأولياء على الرضا بقضائه ، والصبر في بلائه والتسليم لمراده ، بحيث لا يكون منهم معارضة ، وهذا معنى قوله : (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ).