قال القاسم : الطريق إلى الله هو الأصح ، والقاصد عرصته هو المعان ، قال الله : (إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى).
قال أبو عثمان : أمر العبد بالتعليم ، والتسليم ترك التدبير والرضا بمجاري القضاء ، ولما بيّن طرائق الهدى ووصفهم بالإذعان له في مراده منه أمرهم بالصلاة ، وخوّفهم فيها من نفسه ، وذلك قوله تعالى : (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ) إقامة الصلاة ظهور الربوبية في العبودية ، وترائي هلال المشاهدة في الخدمة ؛ لقوله عليهالسلام : «تعبد الله كأنّك تراه» (١) ، والتقوى هنا معناها : اتقوني في الصلاة ؛ فإنها مقام الهيبة والإجلال والمناجاة من أن يخطر على قلوبكم شيء دوني ، فأحتجب عنكم بامتناعي عن مطالعتكم بعيون مسدودة بعوارض الخطرات.
قال ابن عطاء : إقامة الصلاة حفظ حدودها مع الله ، وحفظ الأسرار فيها مع الله ألا يختلج في سره سواه.
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (٧٣) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٧٤) وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (٧٥))
قوله تعالى : (قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ) لمّا أراد تعالى أن يخرج الكون من العدم تجلى من ذاته بصفاته ، ومن صفاته لأمره ، ومن أمره للكاف والنون ، فيقدح أحدهما بالآخر ، فيخرج من بين نورهما الأكوان والحدثان ؛ لاتصال نور الذات بالصفات ، واتصال نور الصفات بالأمر والفعل والكاف والنون ، فيحقق ذلك مراده في الأزل بذلك.
(قَوْلُهُ الْحَقُ) أي : قوله يحقق ما في علمه بنعت إخراجه من العدم إلى الوجود ، بحيث لا يكون في ذرة منه خلل ، يوافق فعله أمره ، وأمره إرادته ؛ لأن له الملك والقدرة الأزلية القائمة بذاته القديم الباقي بوصف الأزل إلى الأبد.
قال الحسين : هو الحق ، ولا يظهر من الحق إلا الحق ، قال الله : (قَوْلُهُ الْحَقُ).
قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : كما خصصنا الخليل في الأزل بالخلة ، أريناه ملكوت السماوات والأرض ما يظهر من أنوار صفات الأزلية ، وذات السرمدية من مرائي ملكوت السماوات التباسا لثبوت خلته واستقامة
__________________
(١) رواه البخاري (٤ / ١٧٩٣).