محبته ، وزيادة شوقه إلى جمال القدم ؛ وليكون من المشاهدين لقاءنا في مقام اليقين بواسطة الملك والملكوت.
قال أبو سعيد الخرّاز : أراه ذلك ليطيق الهجوم على عظمته ذكر في مقام الواصلين.
وقال فارس في تفسير الآية : بدايات أعلام الغيوب التي لا تبقي على النفوس غير الله ، وهو دلائل أهل التوحيد عندهم.
وقال بعضهم : أرى الخليل الملكوت لئلا يشتغل بها ، ويرجع إلى مالكها.
وقال بعضهم : أرى الخليل الملكوت ، فاشتغل بالاستدلال على الحق ، فلمّا كشف له عن الحقيقة يتراءى الكل ، فقال : «أما إليك فلا» (١).
وقيل : ليكون من الموقنين بعد معرفة اليقين.
وقال النصر آبادي في قوله : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ) : ولم يقل : أري إبراهيم ، ولا يمكن رؤية الفروع بالفروع ، إنما رأى الفرع من الملكوت بالأصول.
(فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (٧٦) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (٧٧) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٧٨))
قوله تعالى : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي) إن الله سبحانه امتحن خليله عليهالسلام بالبلايا ، ومن جملتها امتحانه برؤية الملكوت ؛ ليشتغل بحلاوة رؤيتها عن مشاهدة القدم ، وكذلك امتحنه في بدايته بمقام الالتباس عند ظهور كوكب تجلّي نور الفعل الخاص في صورة الشعرى ، فنظر إليه حين جنّ عليه ليل الامتحان ، فرأى بعين الإرادة نور فعله الخاص الذي مشربه أنوار الصفة ، فقال بلسان التعجب : (هذا رَبِّي) ، فدار عليه دور الإرادة ، وربّاه بنور القربة ، وبلغه إلى مقام القلة ، فلمّا جنّ عليه ليل الفرقة من مقام الأول برز نور الصفة من معدن الذات ، وظهر من نور الفعل الخاص في القمر له ، فنظر إليه ورأى مشاهدة الصفة في الفعل ، فقال بلسان الشوق : (هذا رَبِّي) ، فدار عليه دور الخلّة ، وربّاه بنور الوصلة ، وبلغه إلى مقام العشق وذوّقه طعم حقيقة طرب سره ، وهاج شوقه إلى طلب الزيادة ، فظهرت أنوار الذات في الصفات ، وظهرت أنوار الصفات والذات في الأفعال الخاصة.
ثم ظهرت أنوارها في الشمس ، فلمّا صفا وقته واندرجت ظلمة ليلة الفراق طلعت
__________________
(١) رواه الطبري في «التفسير» (١٧ / ٤٥).