قيل : (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) : بصفاء السر ، وصحة الهمة.
وقيل : بخلق السنا والهمة الزكية.
وقيل : بالكون مع الله والفهم عنه.
قوله تعالى : (اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي : اجتبيناهم في الأزل بمعرفتنا قبل إيجادهم ، وهديناهم إلى مشاهدتنا بعد إيجادهم ؛ لأن هناك استقامة كل عارف ، ولا يدخل فيهم اعوجاج الخطرات واضطراب البشريات.
قال الجنيد : أخلصناهم لنا ، وأدّبناهم لحضرتنا ، ودللناهم على الاكتفاء بنا عمّا سوانا.
(أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْعالَمِينَ (٩٠) وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (٩١))
قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) أمر حبيبه عليهالسلام بالاقتداء بالأنبياء والرسل قبله في آداب الشريعة والطريقة ؛ لأن هناك منازل الوسائط ، فإذا أوصله بالكلية إليه وكحل عيون أسراره بكحل الربوبية ، وجعله مستقلا بذاته مستقيما بحاله ، وخرج من حدّ الإرادة إلى حدّ المعرفة والاستقامة ، أمره بإسقاط الوسائط بقوله : (قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي) [الأعراف : ٢٣].
ألا ترى كيف زجر صلىاللهعليهوسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جاء إليه بورق من التوراة ليستأذن منه عليهالسلام بقراءته والعمل به ، فقال : «أمتهوكون أنتم كما تهوّكت اليهود والنصارى ، لقد جئتكم بها بيضاء نقية ، لو كان موسى حيّا ما وسعه إلا اتباعي» (١).
وأيضا : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ) أي : عرفهم ذاته لصفاته ، وعلمهم حقائق آدابه ، وأمر صفيه عليهالسلام بأن يأمر أمته بالاقتداء بشريعته التي هي شريعة الأنبياء.
ألا ترى كيف قال الله : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) [الشورى : ١٣].
وقال الواسطي في هذه الآية : هداهم بذاته ، وقدّسهم بصفاته ، فأسقط عنهم الشواهد والأعراض ، ومطالبات الأعواض ، ملأ لهم إشارة في سرائرهم والعبارة عن أماكنهم.
__________________
(١) رواه البيهقي في الشعب (١ / ٢٠٠).