قيل في هذه الآية : لا تصح الإرادة إلا بالأخذ من الأئمة وبركات نظرهم ، ألا ترى كيف أثر نظر المصطفى صلىاللهعليهوسلم في أصحابه ، فقال : «اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر وعمر» (١) ، فلا يصح الاقتداء إلا بمن صحت بدايته ، وسلك سلوك السادات ، وأثّرت فيه بركات شواهدهم.
ألا ترى المصطفى صلىاللهعليهوسلم يقول : «طوبى لمن رآني» (٢) أي : فاز من أثّرت فيه رؤيتي.
قوله تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) قطع الله بهذه الآية أطماع الحدثان عن إدراك كنه قدمه وغرة أزليته ؛ لأن الحدثان لا يبقى أثرها في جمال سطواته عزة الرحمن ، كيف يعرف قدره من لا يعرفه؟ وكيف يعرفه من لا يعرف نفسه؟ وكيف يعرف نفسه من لا يكون خالق نفسه؟ وكيف يكون خالق نفسه ، والأزلية منزّهة عن الأضداد والأنداد؟! لأن سطوات عظمته لا تبقي للحدثان أثرا في ساحة كبريائه ، عرف قدره بنفسه لا غيره عرف قدره ، بطنان الألوهية لا يدرك ؛ لأنها غير متناهية في العقول ، غير محدودة في القلوب ، غير معروفة بالحلول في الأماكن والأزمنة.
قال الحسين : كيف يعرف أحد حق قدره وهو يقدره ، يريد أن يقدر قدره وأوصاف الحدثان أثر يقع من أوصاف القدم.
وقال بعضهم : ما عرفوا حق قدره ، لو عرفوا ذلك لذابت أرواحهم عند كل وارد يرد عليه من صنعه.
وقوله تعالى : (قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ) أي : إذا وقعت أسرار الواصلين في أودية الألوهية ، وتحيرت أرواحهم في هواء الهوية ، وفنيت عقولهم في سطوات القدرة ، وذابت أشباحهم في طوارق تجلّي المشاهدة ، وما عرفوا مسالك ما يرد عليهم من واردات موارد تجلّي الجمال والجلال ، ويسألونك بنعت الدهش والهيمان ، إيش بنا؟ وأين وقعنا؟ قل بلسان داء المحبة : الله ، أي : ما وقعتم فيه فهو بحر آزال الله ، وقعتم بالله في الله ، وإذا سألك أهل وقائع ظلمات القهر التي حيرتهم في وادي الضلال ، من أين هذا وقع علينا؟ فقل : الله أوقعكم فيها ، ليست الولاية بالمجاهدة ، وليست الضلالة بالعلّة ، ثم ذرهم طائفتين واشتغل بي ، فإن ممازجة الحدثان لا يليق بقلب فيه محبة الرحمن.
وأيضا : قل بلسانك الله ، ولا تقل بلسان سرك ؛ فإن الاشتغال بالذكر عن المذكور حجاب.
__________________
(١) رواه الترمذي (٥ / ٦٠٩) ، وأحمد في مسنده (٥ / ٣٨٢).
(٢) رواه أحمد في مسنده (٣ / ٧١).