مقلّب القلوب» (١).
وقال أبو حمزة : أقبل الله على قلوب فأقبلت عليه ، وأعرض عن قلوب فأعرضت عنه.
قوله تعالى : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) أخبر تعالى عن سابق كلماته الصفاتية الأزلية يكلم بها بنفسه مع نفسه في نفسه ؛ لاختصاص أهل ولايته واصطفائيته بخالصة محبته ، واجتبائه صفوة أهل معرفته وتوحيده بغير علّة اكتسابهم خيرا وشرّا ولا نقضا لإبرام قضيته ، ولا ناقضا لميثاق مشيئته ، سبقت منه العناية لهم بوصف استجلاب أرواحهم إلى معادن قدسه ، واجتذاب قلوبهم إلى مجالس أنسه ، تمت كلمته بحسن قبولهم ، حيثما اشترط علّة العبودية ، وتمام كلماته صدق مواعيده بلطف عنايته بلا مكافأة منهم لها ، وهو تعالى بذلك عادل ؛ حيث اصطفاهم بوضع خزائن معرفته في قلوبهم ، وهو لها أهل ، ولهم من عنايته استعداد لقبول أمانته بشرط الرعاية ، واصطفاء أسماع قلوبهم بحياطتها حتى لا تشوبها أذكار الحدثان وخطرات الطغيان ، لا مبدل لكلماته ، لا يدخل في ديوان سبق رحمته لأهل عنايته طوارق قهره من علّة ما طرأ عليهم من وارد امتحانه ، كما قال تعالى : «سبقت رحمتي غضبي» (٢).
قيل في تفسير قوله : (صِدْقاً وَعَدْلاً) : صدقا للأولياء تفضلا عليهم ، وعلى الأعداء أخذهم بميزان العدل.
قال مقاتل : صدقا فيما وعد ، وعدلا فيما حكم.
(وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (١١٩) وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (١٢٠))
قوله تعالى : (وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) وصف الله سبحانه أئمة الضلالة أنهم سقطوا من طريق الصواب ، فلمّا رأوا فضاحة أنفسهم أرادوا أن يكون أهل الإرادة من الصديقين مثلهم ، فيزينون لهم طريق الشهوات ، قال تعالى : (وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) [المائدة : ٧٧] ، وذلك من جهلهم الله ، ويعلمه الذي شامل على كل موجود.
__________________
(١) تقدم في سابقه.
(٢) رواه البخاري (٦ / ٢٧٤٥) ، ومسلم (٤ / ٢١٠٨).