الْكِتابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١١٤) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١١٥) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (١١٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١١٧) فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (١١٨))
قوله تعالى : (كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) إن الله سبحانه ابتلى العموم بالدنيا وأعمالها في نفع الجاه والمال ، وابتلى الخصوص برؤية المعاملات الأخروية ورؤية أعواضها ، فمن كان غير أهله أبقاهم فيها ، وحجبهم بها عن لذّة قربه ووصاله ، ومن كان أهلا له من العارفين والمتحققين رفعها عن عينه حتى لا يرى وزنا ، ولا يزنها مقدار عند رؤية امتنانه بما سبق لهم من اصطفائيته وخاصيته بالولاية والمعرفة ، زيّن للبطالين شرور أعمالهم النفسانية حتى يروها مستحسنة ، (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (١٠٤)) [الكهف : ١٠٤].
قال تعالى : (يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) ، وزيّن للمجاهدين أعمالهم في العبادة حتى يزيد رغبتهم فيها.
قال الواسطي : زينت الأعمال عند أربابها ؛ فأسقطوا بها عن درجة المتحققين إلا من عصم بنور المشاهدة ، فشاهد المنّة في التوفيق بل شاهد المنان.
قوله تعالى : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ) أضاف الحق سبحانه تقليب القلوب والأبصار إلى نفسه ، فكل موضع قلب القلوب إلى رؤية صفاته وذاته بنعت المحبة والشوق والمعرفة اتبعتها الأبصار بمطالعتها أنوار القدرة والعزّة في الآيات ، فوافقت الأبصار القلوب بتصحيح المعاملات وتقديس الأسرار وصفاء الحالات ، وكل موضع صرف القلوب عن الإقبال إليه انصرفت الأبصار عن مطالعة المشاهد في الشواهد ؛ لذلك استعاذ النبي صلىاللهعليهوسلم بقوله : «يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي» (١).
قال النصر آبادي : النفوس في التنقيل ، والقلوب في التقليب ؛ لذلك قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «يا
__________________
(١) رواه الترمذي (٤ / ٤٤٨).