أحد من المغيرين بحالهم ، وهذا معنى قوله سبحانه : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ).
وكان عليهالسلام له مقامات في الوحي ، كان له وحيّ خاص الخاص له لا لغيره ، وذلك موضع سر السر في دنو الدنو ، حيث خصّه الله بذلك بقوله : (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) [النجم : ١٠] ، وله وحيّ خاصّ له ولخواصه وإخوانه من الأنبياء والأولياء بقوله تعالى : (وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) [الشورى : ١٣] ، وله وحيّ عامّ ، وهو قوله تعالى : (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) [الأنعام : ١٦].
قال بعضهم : الوحي سرّ عن غير واسطة ، والرسالة والإنزال ظاهر وبواسطة ؛ لذلك قال : (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) ؛ لأن الوحي كان خاصّا له مستورا ؛ لقوله : (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) ، (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) [الأحزاب : ٢] ، والإشارة للأولياء في ذلك تأديبا لهم ، حيث يتعارض إلقاء العدو ووحي الله ، أي : دعوا ما سوى الوحي من الهواجس والوسواس ، واتبعوا ما يجل في قلوبكم من الخطاب الذي وصفه قدس القلوب ، من الخواطر والعوارض ، ألا ترى إلى قوله عليهالسلام لوابصة : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» (١) ، و «استفت قلبك ، ولو أفتاك المفتون» (٢).
(وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٠٨) وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٩) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠) وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (١١١) وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (١١٢) وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ (١١٣) أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ
__________________
(١) رواه الترمذي (٤ / ٦٦٨) ، والنسائي في الكبرى (٣ / ٢٣٩).
(٢) رواه أحمد (٤ / ١٩٤).