اللهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (١٠٧))
قوله تعالى : (قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها) منّ الله سبحانه على عباده بمجيء بصائر آياته التي تبرز نعوت الأزلية منها ، وكلماته التامات التي تتجلى لذوي الحقائق منها ، كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه : «إنّ الله تعالى يتجلى لعباده في القرآن» ، وبتلك البصائر كحّل الله أبصار العارفين كحل أنوار صفاته وسنا سبحات ذاته ، فمن كان له استعداد النظر إليها بنعت البصيرة وجد طريق الرشد لنفسه ، ومن ليس له استعداد النظر والبصيرة صار محتجبا من رؤية صفائح القدس في الآيات ، وصحائف الأنس في الكلمات.
قال الخواص : أنزل الله البصائر ، فطوبى لمن رزق بصيرة منها ، وأدنى البصائر أن يبصر الإنسان رشده.
قوله تعالى : (وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) صرف الله فهم خطابه عن قلوب الأعداء ، وفسح لطائفها وحقائقها للأولياء ؛ لأن خطاب الحبيب لا يعرفه إلا الحبيب يلطف بأهله ؛ حيث وهبهم فهم كلامه ، حتى أدركوا بمواهبه السنية التي أودعت قلوبهم أنوار الغيوب والعلم بإدراك مكنون خطابه ؛ لذلك منّ على الموصوفين بهذه الصفة بقوله : (وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أي : لقوم يعرفون قدرتي ويفهمون خطابي ، لا لمن لا يعرف مكان خطابي ومرادي من كلامي.
قال ابن عطاء : القوم يعلمون حقيقة البيان ، وهو الوقوف معه حيثما وقف ، والجري معه حيثما جرى ، لا يتقدمه بغلبة ولا يتخلف عنه لعجز.
قوله تعالى : (اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) لمّا ذكر تعالى بيانه لعموم أهل العلم لمتابعتهم أمره خصّ عليهالسلام بما بينهما من أسرار الربوبية ولطائف المحبة وحقائق الانبساط في المقامات والحالات ، وأفرده بها عن جميع الخلق ؛ حيث لا طاقة للخلق لمطالعة تلك الأسرار ، ولا قوة لهم لحمل واردات تلك الأحوال غير النبي صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنه مؤيد بالقوة الأزلية والنصرة الأبدية.
قال تعالى : (اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) أي : استعد لحمل واردات سطوات الألوهية ، وجذبات أنوار نعوته الأبدية ، وإنها خاصة لك ، ألا ترى كيف وصف نفسه له في وسط الآية بالفردانية والتنزيه عن أشكال الخليقة بقوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي : هو بوصفه تجلى لك بنعته ووصفه حيث كنت ، خلقت بنعت استعداد تحمل ظهور الأزلية ، وإذا كنت كذلك أنت لا تليق بالمشيرين إلى غيره ، فأنت أعزّ وأفضل من أن يكون معك في هذا المقام