الشياطين بقلوبهم ، ويترفعون بألفاظ الطامات ، ويغزون بها من لا يعرف الحق من الباطل.
قال أبو عثمان المغربي في هذه الآية : يلقون على ألسنة المدعين ما يقطعون به الطريق على المتحققين ، ولمّا ذمّ الله المدعين الذين ماتت قلوبهم في ظلمات الطغيان واحتجبت بها عن أنوار العرفان وصف بعد ذلك إحياء المعارف بأنوار الكواشف بعد أن كانوا محجوبين بالعدم عن نور القدم بقوله : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) أي : أو من كان ميتا بالعدم فأحييناه بنور القدم.
وأيضا : أو من كان ميتا بالمجاهدات فأحييناه بروح المجاهدات.
وأيضا : أو من كان ميتا بشهوات النفس فأحييناه بصفاء القلب ، ومن كان ميتا بالخليقة فأحييناه برؤية الحقيقة.
وأيضا : من كان متمنيا برؤية الثواب ، فأحييناه برؤية المآب إلى الوهاب.
(وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) أعطيناه نور الفراسة يحكم باستشراق قلبه على الهموم بنور الفراسات في قلوب الناس.
وأيضا : ألبسناه أنوار الغيب فيكون سراجا بين الناس لهداية الناس بإنقاذهم من وثائق الوسواس.
وأيضا : كسينا روحه نور مشاهدتنا ، وعقله نور آياتنا ، وقلبه نور صفاتنا ، وسره نور ذاتنا ، وصورته نور حضرتنا ، وجعلنا جميع وجوده نورا بين الخلائق ؛ ليهتدي به كل ضال من سبيل الرشاد هذا كالذي في ظلمات طبيعته ونفسه ، وهاوية هواه متحيّر لا يهتدي إلى طريق الحق ؛ لأنه في حجاب القهر أبدا ، ووصف امتنانه على المريدين الصادقين ، وتفضله على المقبلين ، وقهره على المفلسين ، وأضاف الهداية والضلالة إلى عنايته الأزلية وكفايته الأبدية وقهره السابق في المشيئة ، وسمي المريد الصادق ميتا قبل وجدان نوره وروح حياته قربه ؛ لأنه كان من المقصرين ، وإن كان بعد ذلك من المتوفرين ؛ لأن أكابر المعرفة كانوا أحياء في بساتين لطف مشاهدته تحت أذيال ألطاف قربه أحياء من الأزل إلى الأبد.
قال جعفر عليهالسلام في قوله : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) بنا ، وجعلناه إماما يهتدي بنور الأجانب ويرجع إليه الضّلال (كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ) كمن يرى شهوته وهواه ، فلم يؤيد بروائح القرب ومؤانسة الحضرة.
قال ابن عطاء : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً) بحياة نفسه وموت قلبه ، (فَأَحْيَيْناهُ) بإماتة نفسه وحياة قلبه ، سهّلنا عليه سبل التوفيق ، وكحّلناه بأنوار القرب ، فلا يرى غيرنا ، ولا يلتفت إلى سوانا.