قال الجريري : إذا أحيى عبدا بأنواره لا يموت أبدا ، وإذا أماته بخذلانه لا يحيى أبدا.
وقال جعفر عليهالسلام : أو من كان ميتا بابتعاده عن الطاعات (فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ) نور التضرع والاعتذار.
وقال بعضهم : (مَيْتاً) برؤية الأفعال (فَأَحْيَيْناهُ) برؤية الافتقار.
قال القاسم : أحيا أولياءه بنور الانتباه كما أحيى الأجساد بالأرواح.
وقال سهل : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً) بالجهل (فَأَحْيَيْناهُ) بالعلم.
وقال ابن عطاء : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً) بالانقطاع عنا (فَأَحْيَيْناهُ) بالاتصال بنا (وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً) أيضا ، لا كمن تركناه في ظلمة الانقطاع.
وقال الأستاذ : الإيمان عند هؤلاء القوم حياة القلب بالله ، وأهل الغفلة إذ ألهموا الذكر ، فقد صاروا أحياء بعد ما كانوا أمواتا ، وأرباب الذكر لو اعتراهم نسيان ، فقد ماتوا بعد الحياة ، والذي هو في أنوار القرب ، وتحت شعاع العرفان ، وفي روح الاستبصار لا بدّ أنه من هو في أسرار الظلمات ، ولا يساويه من هو رهين الآفات.
وقد وجد خاطري خاصية لطيفة في حقيقة تفسير الآية : إن المراد بالميت : الفاني في عالم نكرة التوحيد ؛ حيث بدت له صواعق سطوات الكبرياء والعظمة ، فأحياه بروح بقائه ومشاهدة أبديته ، حيث ينتعش من بيداء النكرة بأنوار المعرفة ، يمشي بالأسرار والأرواح في أنوار البقاء ، لا يحتجب عن أنوار جمال وجهه أبدا ، فيحيي به كل قلب ميت ، وتطمئن برؤيته كل نفس مفترة عن طاعة ربها ، مفتونة بظلمات شهواتها ، ولمّا استأثر إحياء ميته وإعطاء نوره لنفسه ومدحه بذلك وبيّن مزيته على المدبرين حصّن نفسه بالعلم الإلهي بوضع ولايته ورسالته في الأماكن المستعدة بقبول نوره وهدايته بقوله : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) ، بيّن أنه يعلم من بطنان صميم الفؤاد والأرواح والأسرار ، وخزائن مواهبه السنية من النبوة الولاية والرسالة والمحبة والمعرفة ، ونبّهنا بأنه أراد في الأزل وضع ودائع أسراره في ملكوت القلوب ، فنظر من نفسه إلى نفسه ، فأشرق نور صفاته وذاته ، وسطع ضياء مشاهدته ، ثم عكس ذلك إلى غيب غيبه ، فأظهر منه أرواح القدسية الملكوتية اللاهوتية ، فوضع في نفوسها أنوار الولاية والرسالة والنبوة ، وأفردها بتلك الخاصية عن جميع الخلائق تفضلا وكرما ، ما اعترته في ذلك علّة الحوائج ، لكن جعلهم سبل الخلق والمناهج ، بهم يهتدون إلى عبودية خالقهم وعرفان ربوبية سيدهم ، ومن خصّه الله بذلك لا يضرّه حسد الحاسدين ولا كيد الكائدين ، بل يزيد شرفه أبد الآبدين ، والحمد لله الذي خصّ نبينا صلىاللهعليهوسلم بذلك صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إرغاما لأنوف عواديه ، وانتصارا لمواليه.