وقال النصر آبادي : الله تعالى يعلم الأوعية التي تصلح لسره ومنازلاته ومكاشفاته ، فيرنيها بخواص الأنوار ، ويلطفها بلطائف الاطلاع.
قال أبو بكر الوراق : كما أن الملوك يعلمون مواضع جواهرهم وخزائنهم ، ويجعلونها في أشرف الأماكن وأروحها وأخصها ، فالله يعلم حيث يجعل ويضع نبوته ورسالته وولايته ، ثم إن الله سبحانه إذا أراد أن يضع جوهر معرفته في وعاء قلب عبده يفسحه نور تجليه ، ويكسيه لباس نور كسوة ربوبيته ؛ ليطيق حمل أثقال أمانته من المعرفة والمحبة والولاية ؛ ليسهل عليه حمل عظيم ودائع أسراره ، وفوائد طوارق أنواره ، بقوله : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) أي : من يرد الله أن يهديه إلى نفسه ويعرفه صفاته ، ويريه جلال ذاته ، يوسع صدره بلطيف أنوار قربه وحلاوة خطابه حتى يعرّفه به لا بسواه ، ويراه بنوره لا بنفسه.
قال النهرجوري : صفة المراد خلوة ممّا له وقبوله ممّا عليه ، وسعة صدره بمراد الحق عليه ، قال الله : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ).
يقال في هذه الآية : نور في البداية هو نور العقل ، ونور في الوسائط هو نور العلم ، ونور في النهاية هو نور العرفان ، فصاحب العقل مع البرهان ، وصاحب العلم مع البيان ، وصاحب المعرفة في حكم العيان.
وفي تفسير هذه الآية أخبر نبينا صلىاللهعليهوسلم من كيفيته وأماراته فيما روى ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) ، قالوا : يا رسول الله ما هذا الشرح؟ قال : نور يقذف في القلب ، فيفسح له القلب. فقيل : هل لذلك من أمارة يعرف بها؟ قال : نعم. قيل : وما هي؟ قال : الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل النزول» (١).
بيّن عليهالسلام بوقوع نور التجلي في القلب فسحته بانتشار سناه فيه بعدما خلا بالله من بوادي أسراره ، وإلباسه ضياء قربه ووصاله ، وذلك محض الجذب بنعت العناية إلى مشاهدته ، فنعته في ذلك التسارع في عبوديته ، وسرعة القيادة لظهور ربوبيته ، وغلبة شوق جماله عليه عند تجافيه عن كل مألوف ومحبوب ، وهذا أحسن الصراط إلى الله ، المستقيم عن الاضطراب من جهة النفس والاعوجاج ، بإلقاء العدو بقوله : (وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً) الصراط المستقيم بالحقيقة طريق الصفات إلى الذات بنعت المعارف والكواشف.
__________________
(١) ذكره ابن كثير في التفسير (٢ / ١٧٥).