والإشارة : في قوله : (وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً) دليل قوليّ ؛ لأن هذا إشارة إلى القرآن ، والقرآن صفته القديم ، وهو طريق إلى ذلك القديم بنعت مباشرة التجلّي ووجدانه بوصف المحبة والمعرفة.
قال ابن مسعود رضي الله عنه : صراط ربك هو القرآن ؛ لذلك ارتضى لنفسه ؛ لأنه صفته وهو صراط ممهد لسير الأرواح من معادن الأشباح إلى عالم الأفراح ، مستقيم لقوامه بذاته القديم ، لا ينقطع المعتصم بحبله والمقتدي بأسوته.
وأيضا فيه نكتة شريفة وهي : أن قوله : (وَهذا صِراطُ رَبِّكَ) خصّه لنفسه ، أي : هو يأتي بنعت تجلّيه وظهور الصفات والذات بهذا الطريق إلى أصفيائه وأوليائه وأحبائه ، لم يقل : هذا صراطكم إليّ ، بل قال : (وَهذا صِراطُ رَبِّكَ) الذي أكشف فيه نقاب الحشمة عن جمال وجهي ، حتى ينظر إليّ من يتمسك بحبلي ، والمقبل إليّ بصراطي.
قال أبو عثمان : أهدى الطرق وأقومها طريق المتابعة ، وأهدى السبل وأضلها طرق الدعاوى بالمخالفة.
قال سهل : التوحيد والإسلام صراط ربك مستقيما ، ولمّا هداهم إلى صراطه المستقيم ، ومنهجه القويم الذي ينكشف جلاله وجماله لسالكه ، الذي لم يكن لإقباله إدبار ، ولم يكن لهفواته إصرار ، وصفهم بالسلامة في دار رضوانه ومربع غفرانه ، وجعل لهم هناك منازل الرفاهية ، وفتح فيها عليهم روازن العافية ، التي هي مشاهدته بلا حجاب بقوله تعالى : (لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ).
(لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٧) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلاَّ ما شاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٢٨) وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٢٩) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (١٣٠) ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ (١٣١) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٣٢))
قوله تعالى : (لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ) دار السلام : ساحة جلاله