وحظائر قدس صفاته ، ومساقط وقوع أنوار الجلال ، التي هي منزّهة عن خطر الحجاب وعلّة العتاب وظرفان العذاب ، حاشا منها عند الكريم الوهاب ، الذي هو وليهم بنعت رعايتهم ، وكشف جماله لهم بالعوافي الأبدية والسلامة السرمدية.
وأيضا : (السَّلامِ) هو الله سبحانه الذي وصف نفسه بالسلام ؛ لئلا يفرق منه قلوب العارفين ، ولا يفزع من جماله أرواح المحبين ، ولا يخاف من جلاله أسرار الواصلين ؛ لأنه معدن سلامة المقبلين إليه بنعت المحبة ، وداره قلوب عشاقه التي هي محل كنوز أسراره ومواهب أنواره ، ومعدن أنبائه العجيبة ، ولطائفه الغريبة ، وفواتح لوامع سبحاته الأزلية ، وهي بتقلبه في أنوار الصفات والذات بقوله : (عِنْدَ رَبِّهِمْ) ، ولقول صفيه صلىاللهعليهوسلم : «القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلّبها كيف يشاء» (١) ، وهو وليّهم تعالى بحفظها ورعايتها ؛ حتى لا يدخلها هواجس النفسانية ، وغمرات وساوس الشيطانية ، ما أحسن مناظرها! وما ألطف مطالعها! وما أكرم لطائفها! وما أنعم بهجتها! وما أطيب حلاوة محبتها!.
وأيضا : علّقهم بالدار الكرامة الجار ، ولو علّقهم بالجار لم يبق في البين ؛ لحديث الدار ، لكن بقي في القوم بعض إزاغة أبصارهم بنعت الالتفات عند الامتحان إلى غير وجه الرحمن من النعيم والجنان ، فعلّقهم بها لوقوع علّة الحدثان ، لكن بفضله ما خلاهم فيها حين قال : (وَهُوَ وَلِيُّهُمْ) يعني : يرفعهم عن رؤية الغير في البين ، قال تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) أي : كل حادث مضمحلّ عند انكشاف وجه القدم.
وإذا كان تعالى بنفسه دعاهم فإن جميع المنازل طابت ، إما في الدنيا ، وإما في الآخرة ؛ لأن بحفظه طابت الأكوان ، وبحسن جواره تلذذت الحدثان ، وأنشد في معناه :
سلام على سلمى وإن شطّ دارها |
|
سلام على الأرض قديم بها العهد |
سلام على جاراتها لجوارها |
|
سلام حزين وامق شفّه الصّدّ |
إذا نزلت سلمى بواد فماؤها |
|
زلال وسلسال وتيجانها ورد |
يا عارف لو تراه في وسط النار بردا وسلاما |
|
وتكون جمراتها وردا وريحانا |
ألا ترى إلى قوله سبحانه في وصف خليله صلىاللهعليهوسلم حين أدخله في دار سلامته ، (يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً) [الأنبياء : ٦٩].
انظر إلى شأن البدوي العاشق كيف يقول في حال حبيبه :
يكون أجاجا دونكم فإذا انتهى |
|
إليكم تلقّى طيبكم فيطيب |
__________________
(١) رواه ابن أبي عاصم في السنة (١ / ١٠١).