جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٥))
قوله تعالى : (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها) أي : ما عملت النفوس إلا ما ألزمت عليها في الأزل ، فإذا عملت ترجع إليها ؛ لأن خالقها منزّه عنها.
قال بعضهم : لا تكسب من خير وشرّ كل نفس إلا عليها ، أما الشرّ فهو مأخوذ به ، وأما الخير فهو مطلوب منه صحة قصده ، وخلوه من الرياء والعجب ، ورؤيته من نفسه والتزين به ، والافتخار به ، والاعتماد عليه ، والإحسان فيه ، فإذا حصلته وجدته عليه ، لا إله إلا أن يعفو الله عزوجل.
قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) أي : جعلتكم خزائن جودي من المعرفة والمحبة والولاية ، خلفاء العالم بعد مضي دهر الدهار ، وتقلب الفلك الدوار ، والقرون الماضية ممّن قسم له الرسالة والنبوة والملك والشرف ، وما كان لهم في السبق السابق ، وأول الأول ، ويكون لكم يا خلفاء الأنبياء والصديقين ، هو الذي جعلكم خلفاء في أرضه كآدم عليهالسلام ، ونوح عليهالسلام ، وإبراهيم عليهالسلام ، وموسى عليهالسلام ، وعيسى عليهالسلام ، وزاد شرفكم بشرف نبيكم على الجمهور ، وقال عليهالسلام : «نحن الآخرون السابقون» (١).
وبيّن تعالى هذه الآية أن النجباء والأولياء والأصفياء والأتقياء والأخيار والأوتاد والخلفاء يختلف بعضهم بعضا ، كما وصف عليهالسلام الأبدال والأولياء في حديث مرويّ بقوله : «إذا مات واحد منهم أبدل الله مكانه واحدا» (٢) ، وصرّح بخطابه أن درجاتهم متفاوتة بقوله : (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) لاقتداء البعض بالبعض ، وبقية أمانته وأمانه وحجته وبرهانه في العالمين للعاملين درجة بعضهم المعاملات ، ودرجة بعضهم الحالات ، ودرجة بعضهم المقامات ، ودرجة بعضهم المكاشفات ، ودرجة بعضهم المشاهدات ، ودرجة بعضهم الفراسات ، ودرجة بعضهم الكرامات ، ودرجة بعضهم المواجيد والواردات ، ودرجة بعضهم الحكميات ، ودرجة بعضهم الدنيات ، ودرجة بعضهم المعرفة ، ودرجة بعضهم التوحيد ، ودرجة بعضهم التلوين ، ودرجة بعضهم التمكين ، ودرجة بعضهم اليقين ، ودرجة بعضهم الفناء ، ودرجة بعضهم البقاء ، ودرجة بعضهم الحيرة ، ودرجة بعضهم الوله والغيبة ، ودرجة بعضهم السكر ، ودرجة بعضهم الصحو ، ودرجة بعضهم الاتصاف ، ودرجة بعضهم الاتحاد ،
__________________
(١) رواه البخاري (١ / ٩٤) ، ومسلم (٢ / ٥٨٦).
(٢) رواه أحمد في مسنده (١ / ١١٢).