الربوبية ، وكوشف بمقام الألوهية سائلا حل عقدة من لسانه ؛ ليكون إذا كان ذلك مالكا لنطقه وبيانه.
وقيل : لمّا سأل ملكيه شرح صدره ، ثم نظر إلى أليق الأحوال به ، فإذا هو تيسر أمره فسأل ذلك على التمام ليترقى به حاله إلى أرفع المقام وهي المجيء إلى الله بالله ، لمّا علم أن من وصل إليه لم يعرض عليه عارضة ، حينئذ صلح المجيء إلى الله وحده بلا شريك ولا نظير ، وكان ممن وفيّ المواقيت حقها غابت عنه الأحوال فلم يرها وذهبت عن غيبه ظهوره وما عداها إلا ما كان للحق منه ومعه ، حتى تحقق بقوله تعالى : (قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) [طه : ٣٦] ، ولقد مننا عليك مرة أخرى فهذا حال لمجيء ، وهذا معنى قوله : (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا) ، وقوله : (وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) ، أنه انفرد بكلامه لأنه كان قبل ذلك مكلما بالسرّ والسفراء والوسائط.
فلمّا أتى الله تعالى به إلى المقام الأجل وحققه بالحال الأعظم الأرفع خاطبه مكلما على الكشف وغيبته عن كل عين رائية ومرئية ، وكل صورة مكونة ومنشأة إلا ما كان من الكليم والمكلم ، وأفرد الله عنده بالشرف الأعظم فسمع خطابا لا كالمخاطبات فاهتاج منه وله عند ذلك طالبا لا كالمطالبات واقتضى من الله ما لم يكن قبل يقتضيه ، فلذلك سأل النظر إليه إذا رجع إلى حقيقة ، فرأى الله في كل منظور له ومنصور ، فلمّا تحققت له هذه الأحوال ، قال : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) ، فإن في كل مرئي أرجع إليك ، أي أرني ما شئت فلست أرى غيرك مقابلي إذا تحققت بما حققتني به ، إنك غير مسائلي ، ألم يدلك على ذلك خطابه ورجعته إليه إذ ذاك جوابه أرني فإليك أنظر وأحضراني ما شئت فلست غيرك أحضر بعد أن تحققت منك بحال يوجب لي منك ذاك ، وحق لمن تحقق بهذا أو تمكن فيه أن ينفرد بسؤال لا يشارك فيه بالحقيقة.
ويقال : صار موسى عليهالسلام عند سماع الخطاب بعين السكر ، فنطق بما نطق والسكران لا يؤخذ بقوله ، ألا ترى أنه ليس في نص الكتاب معه عتاب بحرف.
ويقال : أخذته عزة السماع فخرج لسانه عن طاعته جريا على مقتضى ما صحبه من الأريحية وبسط الوصلة.
ويقال في القصص : إنه كان يحتمل في الوعد كلمات الخلق.
ويقول : لمعارفه لكم كلام معه ، ولكم حاجة إلى الله فإني أريد أن أمضي إلى مناجاته ، ثم أنه لمّا جاء وسمع الخطاب لم يذكر ما دبره في نفسه ، وتحمله من قومه وجمعه في قلبه سينا ولا حرفا ، بل أنطق بما صار في الوقت غالب قلبه ، فقال : (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) وفي معناه