أنشدوا :
فباليل كم من حاجة لي مهمة |
|
إذا جئتكم لم أدر بالليل ماهيا |
ويقال : أشد الخلق شوقا إلى الحبيب أقربهم من الحبيب ، لهذا موسى عليهالسلام كان غريق الوصلة واقفا في محل المناجاة محدقا به التولي غالبا له بذهاب الوجود في عين ذلك ، كان يقول : (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) كأنه غائب عن الحقيقة لا ولكن ما إذا أزداد القوم شربا إلا ازدادوا عطشا ولا ازدادوا قربا إلا ازدادوا أشوقا ؛ لأنه لا سبيل إلى الوصال بالكمال والحق سبحانه لقبول أسرار أصفياه عن مداخل الملال.
ويقال : فمال موسى عليهالسلام بلسان الافتقار فقال : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) فلا أقل من نظرة ، والعبد قتيل هذه القصة هو بل بالرد ، وقال : (لَنْ تَرانِي) فكذا قهر الأحباب.
ولذلك قال قائلهم :
جور الهوى أحسن من عدله |
|
وبخله أظرف من بذله |
ويقال : لمّا سمعت همته إذا أسنى الطلبات ، وهي الرؤية قوبل بلن ، فلمّا رجع إلى الخلق قال : للخضر هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا.
قال الخضر له : لن تستطيع معي صبرا قابله بلن ، فصار الرد موقوفا على موسى عليهالسلام من الحق ومن الخلق ، ليكون موسى عليهالسلام بلا موسى عليهالسلام صافيا عذوبا عن كل نصيب لموسى عليهالسلام من موسى عليهالسلام ، وفي قريب منه أنشدوا :
أنني أبينا نحن أهلّ منازل |
|
أبدا غراب البين فيها ينعق |
ويقال : طلب موسى عليهالسلام الرؤية وهو بوصف التفرق ، فقال :
(أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) (١) ، فأجيب ب (لَنْ) عين الجمع أتم من عين التفرقة فزع موسى عليهالسلام حتى خرّ صعقا ، والجبل يصير دكا ، ثم الروح بعد وقوع الصعقة على القالب يكاشف بما هو حقائق الأحدية ، وكون الحق لموسى عليهالسلام بعد إمحاء معالم موسى عليهالسلام ، خير لموسى عليهالسلام من بقاء موسى عليهالسلام لموسى عليهالسلام فإن على التحقيق شهود الحق بالحق أتم من بقاء الخلق بالخلق ؛ لذا قال قائلهم لوجهها من وجهها قمر ، ولعينها من عينها كحل.
__________________
(١) إشارة لها أرق من هذه ، وعلى التوفية في الأمور كلها ؛ لأن الصوفي من أهل الصفاء والوفاء ، وعلى الصدق في الأقوال والأفعال والأحوال. وعلى الوفاء بالعهد ، وأعظمها عهد الشيوخ المربين ، وعلى اتباع طريق السلوك الموصلة للحضرة وهي ما عينه الشيوخ للمريدين ، فلا يتعدى نظرهم ولو لحظة. وبالله التوفيق ، البحر المديد (٢ / ٢٢١).