ألا ترى أن الله عزوجل وصف العجل بالعرض والجوهر حيث قال : (عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ) ووصفه بأنه لا يكلمهم من عجزة عن إبداع الكلام ، ولا يهديهم إلى سبيل نجاتهم من قهر ربوبية الأزل ، وليس من يقدر بالكلام فهو إله إرادته ، لا يكلمهم مثل كلام الأزلي الذي يكلمهم الله الذي من وصفه أنه صفة الأزل المنزّه عن الخوار والأصوات والهمهمة والأنفاس والحروف والقياس.
قيل : (أَسِفاً) على ما فاته من مخاطبة الحق إلى مخاطبة من لا أوزان لهم ، فرده من شوقه إلى مشاهده ؛ لئلا يقطعه ، وحال شوقه ومن بقية سكره وغضبه من فوت مكالمة الحق ، وأسفه على فوت مشاهدته.
(وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) إن الله سبحانه علم شوق موسى عليهالسلام إلى جماله وعشقه بوجهه فأراه كل وقت ما أغاره عليه ؛ لزيادة حرقه ، وهيجانه أغضبه ؛ لأن الله أحب غضب كليمه ، وهكذا عادة الأحباب فأبرز من أول اللوح نعوت نبينا صلىاللهعليهوسلم فلمّا رأى بينه وبين حبيبه من أقرب منه إليه غضب من غيرة العشق ، وهكذا شأن العاشقين.
وأيضا : ذكر أيام الوصال وطيب المناجاة بغير واسطة الألواح ، فإلجاء فوت تلك المقامات إلى كسر الألواح فألقى الألواح ؛ لأنها عارضة بينه وبين خطاب محبوبه صرفا بلا واسطة ، وجرّ أخيه إليه ؛ لأنه رآه في مقام الشريعة مشغولا عن تلك المواقف القدسية التي خرج منها.
قال أبو سعيد القرشي : من تحرك غيرة للحق فإن الحق يحفظ عليه حدوده لئلا تخرجه الحركة إلى شيء مذموم كموسى عليهالسلام لمّا ألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره ، لمّا رأى قومه يعبدون العجل ، فلم يعاتبه الله على ذلك ، ولو باشر أحد من الكسر والأخذ ما باشر موسى عليهالسلام كان ملوما ، ولكن حركة موسى عليهالسلام كانت ملاحظ لموسى عليهالسلام فيه ، بل قام غيرة لله وانتقاله ، فلم يزدد بذلك من الله إلا قربا.
(إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (١٥٢) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٥٣) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (١٥٤) وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا