القوم في طلب الحق غلب عليهم رعونات الطبيعة من جهة ما شموا بعض روائح القرب ، فصار في قلوبهم حلاوة فباشرت تلك الحلاوة قلوبهم ، ولم يكن غالبا يفني صفات الإنسانية منها ، فاختلط ذلك الحظ بحظوظ البشرية ، فلمّا هاجت حلاوة البشرية غابت حلاوة القرب ، وعشقه في عشق الإنسانية وحظ البشرية ، فطلبت القلوب المطلوب بعد ذلك في كل منظور من الحدثان على صورة المخاييل ، لأن حظوظ بشريتهم أورثت في قلوبهم الخيالات المختلفة فسقطوا عن رؤية التوحيد وإفراد القدم عن الحدوث ، وبقوا في طلب الخيال وبحثه عن كل شيء ، فكل متحرك يتحرك لهم قبلوه بالمعبود من قصورهم عن كمال العشق وحقائق التوحيد ، فكسا الحق سبحانه العجل كسوة من قهر ربوبيته امتحانا للقوم ، فوقعوا في حسن اللباس واحتشموه ، واحتجبوا من رؤية القهر والامتحان ، ولو خرجوا من أوائل الالتباس لأحرقوه كما أحرقه موسى عليهالسلام ، وكذا حال من لم يبلغ إلى درجة التوحيد ، وبقى في رعونة العشق حتى يؤول حلاله إلى حد غار عليه التوحيد والجاه إلى القتل ؛ لأنه بقى في رؤية غير الله ، والمشرك في التوحيد وجب قتله في طريق المعرفة ، ألا ترى أن الله سبحانه أمرهم بقتل أنفسهم بقوله : (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ).
قال سهل : عجل كل إنسان ما أقبل عليه وأعرض به عن الله من أهل وولد ، ولا يتخلص من ذلك إلا بعد فناء جميع حظوظه من أسبابه ، كما لم يتخلص عبدة العجل من عبادته إلا من بعد قتلهم أنفسهم.
وقال الأستاذ : لم يظهر قلوبهم في ابتداء أحوالهم عن توهم الظنون ، ولم يتحققوا بخصائص القدم وشروط الحدوث ، فعثروا عن أقدام ذكرهم في وهاد المغاليط.
ويقال : إن أقواما رضوا بالعجل أن يكون معبودهم ، شمت أسرارهم نسيم التوحيد ، هيهات لا ولا من لاحظ جبرائيل أو ميكائيل أو العرش والثرى أو الخلق والورى.
قوله تعالى : (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً) وصل إلى كليم الله المضرب قهر (لَنْ تَرانِي) ، ورجع غضبانا منه عليه ، من غلبة انبساطه وشربه كأس سم أفاعي الفراق ، أسفا ممّا فات من وصول الوصول ، ورجع إلى قومه مع شريعة العبودية في تلك الحالة ، ورأى عبدة العجل صار كأسود الجياع مع قومه وأخيه ، فإن الكليم رجع من باب الأزل الذي كان الحدثان هناك بأسرها أقل من ذرة ، فرأى دناءة همم القوم حين اختاروا مصنوعهم بالإلهية ، وأين العقل والفهم والعلم والإنسانية هناك؟
والعقل لا يقبل من وصفه التغير والأصوات والخوار ، والمشابهة ، والجسدية والمماثلة بالإلوهية المنزّهة عن المتشابه بأشكال الحدثان.