لو تبيّن ألف طريق من طرق الأولياء إلى الله لا يتبعوها لحرمانهم عن مصادقة الحق ، وإن ظهر لهم طريق الدعاوي في متابعة الشهوات ، اتبعوه وجعلوه سبيل الحق ، لأن سجيتهم سجية الضلال ، والمتكبر لو عرف التكبر الذي هو كبرياء القدم ما تكبر فإن جميع تكبر الحدثان من جهلهم بكبرياء الحق ، وفي كل موضع تبدو سطوات كبريائه ، يتلاشى فيها كل شيء ، وكل تكبر غير تكبر الله تعالى باطل ، إلا من تكبر بكبريائه حين اتصف بكبريائه ، وذلك من إلباس الله إياه نور عظمته وهيبته وكبريائه ، فينطق بالحق ويفعل بالحق ، ويظهر منه الحق بوصف الكبرياء ، علامته أن يخضع له كل شيء سوى الله ، وهذا معنى قوله عليهالسلام : «من خضع لله خضع له كل شيء» (١).
قال بعضهم : التكبر تكبران : تكبر بحق ، وتكبر بغير حق ؛ فالتكبر بالحق تكبر الفقراء على الأغنياء استغناه بالله ممّا في أيديهم ، والتكبر بغير حق تكبر الأغنياء على الفقراء ازدراء لما هم فيه من فقرهم.
قال الواسطي : التكبر بالحق هو التكبر على الأغنياء والفسقة وعلى الكفار وأهل البدع ؛ لأنه روي في الأثر : «القوا أهل المعاصي بوجوه مكفهرة» (٢).
وقال سهل في قوله : (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ) أي : هو أن يحرمهم فهم القرآن والاقتداء بالرسول عليهالسلام.
قال ابن عطاء : سأمنع قلوبهم وأسرارهم وأرواحهم عن الجولان في ملكوت القدس.
وقال ذو النون : أبى الله أن يكرم قلوب البطالين بمكنون حكمة القرآن.
(وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (١٤٨) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (١٤٩) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١٥٠) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (١٥١))
قوله تعالى : (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ) كان
__________________
(١) رواه القضاعي في الشهاب (١ / ٢٦٥).
(٢) رواه الديلمي في الفردوس (٢ / ٥٦).