(فَخُذْها بِقُوَّةٍ) من قواي حين تفرّ من نفسك ومن غيري إليّ بالاستعانة بي ، واقتباسك قوة ونصرة مني ، فخذها بتلك القوة الإلهية لا بقوة نفسك ، فإن قوة نفسك حدثية ، ولا تحمل أثقال الربوبية إلا بقوة الإلهية ، فإذا صرت مطيتها وحملت تلك الأمانة من قومك.
(يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها) أي : بأسهلها عليهم من الأوامر والنواهي ؛ لأن حقائقها لا تليق إلا بك وبمثلك.
وأيضا : يأخذوا بأبينها لهم ، وهي المحكمات التي توجب العبودية ويأخذون متشابهها ، التي هي وصف الصفات بحسن الاعتقاد والتسليم فيها ؛ لأن علومها وحقائقها لا تنكشف إلا للربانيين ، قال الله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) [آل عمران : ٧].
قال بعضهم في قوله : (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) سر الله عند عباده ولأهل خصوصيته لا يحمله منهم إلا الأقوياء بأبدانهم وقلوبهم ، ألا ترى الله يقول لكليمه عليهالسلام : (فَخُذْها بِقُوَّةٍ) والقوة هو الثقة بالله والاعتماد على الله ؛ ولذلك قال بعضهم : عطاياه لا يحمل إلا مطاياه.
وقيل في قوله : (فَخُذْها بِقُوَّةٍ) أي : خذها بي ولا تأخذها بنفسك ، فالقوي من لا حول له ولا قوة ، ويكون حوله وقوته بالقوي.
قال الأستاذ : (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ) فرق بين ما أمر به موسى عليهالسلام من الأخذ ، وبين ما أمر أن يأمر به قومه من الأخذ ، أخذ موسى عليهالسلام أخذا من الحق على وجه تحقيق الزلفة وتأكيد الوصلة ، وأخذهم أخذ قبول من حيث التزام الطاعة ، وشتان ما بينهما.
ثم إن الله سبحانه ذكر أن عرائس خطابه ولطائف كلامه لا تتكشف لمن رأى قيمة نفسه في جنات الأزلية وميادين الربوبية بقول : (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ) أي : ما منع المدعين المعجبين بشأنهم ومزخرفاتهم بمجازاتهم كلام الدعاوي الباطلة.
(بِغَيْرِ الْحَقِ) عن إدراك حقائق خطابي ، وفهم لطائف معاني كلامهم ؛ لأنهم منكر وكرامات أوليائي وآيات أصفيائي ، بوصفه حالهم في تضاعيف الآيات بقوله : (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها) ثم زاد مباعدتهم من باب التوفيق ووجدان رشد الطريق بقوله تعالى : (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً)