واسطة واستلذّوه ، وسكروا بطيب الخطاب كيف قالوا : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) وكيف أحرقتهم الصعقة ؛ لأنهم ضعفاء في الحقائق ، اختار منهم سبعين ؛ لأن في كل أمة سبعين من البدلاء والأولياء والنجباء ، وكذا في أمة محمد صلىاللهعليهوسلم.
قال بعضهم : (وَاخْتارَ مُوسى) على عدد الأولياء في الأمم السالفة وفي أمته ، وهم السبعون الذين إليهم يفرغ الخلق وبهم يحفظون ، ثم لمّا وصل إلى القوم ما وصل إلى موسى عليهالسلام صعقوا وفنوا تحت الصعقة ؛ لضعف قلوبهم عمن حمل سطوات العظمة ، اشتد على كليم الله وهاج سره بالانبساط لقوله : (فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ) أهلكتهم بنظرهم إلى العجل بين بني إسرائيل وإياي في صعقتي.
(أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) تؤاخذنا بتقصير عبدة العجل ، وهذا عادة الملوك إذا جنوا أخذوا أعيانهم ، ويمكن أن قوله : (بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ) إشارة إلى الغائبين في سكرهم بلذّة خطاب الحق حين سمعوه وقالوا : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) وهم ضعفاء الحالات ، أي : تهلكنا بقول السكارى.
(إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ) أطلق لسان الانبساط ، وخرج من سجف الاحتشام من بقايا خمار تلك الشربات في وقت التجلي ، أي : ما هي الصعقة إلا امتحانك لعشاقك من عشقك لهم في الأزل ، وهذا من صنيعك بمحبتك ألا ترفع محبك عن المشتاقين إليك.
إلى متى تحتجب منّا |
|
أما آن للهجران أن ينصر ما |
والغصن غصن البان أن يتبسما |
|
والعاشق الصبّ الذي ذاب وانحنى |
وفي هذا المعنى أنشد حسين بن منصور حين أرادوا قتله كان يتبختر ويقول :
نديمي غير منسوب |
|
إلى شيء من الحيف |
سقاني مثل ما شرب |
|
فعل الضيف بالضيف |
فلمّا دارت الكأس |
|
دعا بالنطع والسيف |
كذا من يشرب الرّاح |
|
مع التنين في الصيف |
فلمّا سكن موسى من حدة الانبساط رجع إلى مقام التوحيد وقطع الأسباب في العبودية وقال : (تُضِلُّ بِها) أي : تضل وتحجب بامتحانك واختيارك ، (مَنْ تَشاءُ) مشاهدتك ، (وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ) إلى وصالك ، فمنّا من بقي في الصعقة عن المشاهدة ، ومنّا من وصل بك إليك في الصعقة ، وذلك فرق بين مراتب النبوة والولاية ، ثم نظر إلى كلائته