أنبيائه وأوليائه في مقام امتحانه فقال : (أَنْتَ وَلِيُّنا) أنت حافظنا منك فيك (فَاغْفِرْ لَنا) جناية انبساطنا في مقام رؤية هيبتك (وَارْحَمْنا) بكشف مشاهدتك لنا بلا امتحان ولا واسطة الحيل ، (وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ) لأنك قديم ومغفرتك صفتك شاملة على جميع الجنايات منزّهة عن خلل الحدثان.
(وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً) اجعل نصيبا منك في الدنيا مشاهدتك ، ومعرفتك بالعافية عن قهرك وامتحانك ، (وَفِي الْآخِرَةِ) بغير واسطة الجنة وما فيها ، (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ) رجعنا منا إليك ، وفررنا منك إليك.
قال ابن عطاء : أقبلنا بالكلية عليك.
ويقال : إن موسى عليهالسلام جاهر الحق بنعت التحقيق وفارق الحشمة ، فقال صريحا : (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ) (١) ، ثم وكل الحكم إليه فقال : (تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ) ، ثم عقبة ببيان التضرع فقال : (فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا).
قال الأستاذ في قوله : (إِنَّا هُدْنا) ملنا إلى دينك وصرنا لك بالكلية من غير أن نترك لأنفسنا بقية ، فلمّا سأل موسى عليهالسلام وقاية الحق من الحق لئلا تدخل في مربع الأنس واللطف زحمة القهر واستوفى منه حظ مشاهدته بلا كدورة الحجاب ، فرارا من قهره إلى لطفه ومنه إليه إجابة الحق ، أن لطف القديم مع قهر القديم بظهور فوقية قهر القدم على الحدث ، وإدخال إعتاق الخليفة تحت إقدام الهيبة بقوله : (قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ) أي : عذاب فراقي وامتناعي من مطالعة أرواح القلوب على نعت السرمدية ، وأوصل إلى من شاء من العارفين والمحبين ، تربية وامتحانا لهم في العبودية ، وصل عذابه بالمشيئة ، وهو موضع رجاء وخوف لأهل الإيمان ، ثم عمّ الكل برحمته الواسعة الأزلية الشاملة على كل ذرة بقوله : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) جميع الخلائق مستغرقون في بحار رحمته ؛ لأن إيجاد الحق إياهم على أي وصف كانوا عين رحمته ، حيث جعلوا تحت نظره وسلطانه وربوبيته ومباشرة قدرته فيهم ، ثم إن الخلق بالتفاوت في الرحمة ، فالجمادات مستغرقة في نور فعله وهي الرحمة الفعلية
__________________
(١) أي : محنتك وابتلاؤك حيث أسمعتهم كلامك فافتتنوا بذلك ولم يثبتوا فطمعوا في الرؤية.
يقول الفقير : هذا يدل على أنهم سمعوا كلامه تعالى على وجه الامتحان والابتلاء لا على وجه التكرمة والإجلال وذلك لا يقدح في كون موسى عليهالسلام مصطفى بالرسالة والكلام مع أنه فرق كثير بين سماعهم وسماعه عليهالسلام والله أعلم. تفسير حقي (٤ / ٢٨٧).